وَالْبَسْطَةُ اسْمٌ مِنَ الْبَسْطِ وَهُوَ السِّعَةُ وَالِانْتِشَارُ، فَالْبَسْطَةُ الْوَفْرَةُ وَالْقُوَّةُ مِنَ الشَّيْءِ، وَسَيَجِيءُ كَلَامٌ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ فِي الْأَعْرَافِ [٦٩] .
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ من كَلَام النَّبِي، فَيَكُونُ قَدْ رَجَعَ بِهِمْ إِلَى التَّسْلِيمِ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَذْيِيلًا لِلْقِصَّةِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.
[٢٤٨]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٤٨]
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨)
أَرَادَ نَبِيئُهُمْ أَنْ يَتَحَدَّاهُمْ بِمُعْجِزَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَار لَهُم شاوول مَلِكًا، فَجَعَلَ لَهُمْ آيَةً تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ أَنْ يَأْتِيَهُمُ التَّابُوتُ، أَيْ تَابُوتُ الْعَهْدِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي يَدِ الْفِلَسْطِينِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قِصَّةِ تَيْسِيرِ الله تَعَالَى إرجاع التَّابُوتِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِدُونِ قِتَالٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفِلَسْطِينِيِّينَ أَرْجَعُوا التَّابُوتَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي قِصَّةٍ ذُكِرَتْ فِي سِفْرِ صَمْوِيلَ، حَاصِلُهَا أَنَّ التَّابُوتَ بَقِيَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فِي بِلَادِ فِلَسْطِينَ مَوْضُوعًا فِي بَيْتِ صَنَمِهِمْ دَاجُونَ وَرَأَى الْفِلَسْطِينِيُّونَ آيَاتٍ مِنْ سُقُوطِ صَنَمِهِمْ عَلَى وَجْهِهِ، وَانْكِسَارِ يَدَيْهِ وَرَأْسِهِ، وَإِصَابَتِهِمْ بِالْبَوَاسِيرِ فِي أَشْدُودَ وَتُخُومِهَا، وَسُلِّطَتْ عَلَيْهِمُ الْجُرْذَانُ تُفْسِدُ الزُّرُوعَ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اسْتَشَارُوا الْكَهَنَةَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِمْ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ بِإِرْجَاعِهِ إِلَى إِسْرَائِيل لِأَنَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ غَضِبَ لِتَابُوتِهِ وَأَنْ يُرْجِعُوهُ مَصْحُوبًا بِهَدِيَّةٍ: صُورَةِ خَمْسِ بَوَاسِيرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَصُورَةِ خَمْسِ فِيرَانٍ مَنْ ذَهَبٍ، عَلَى عَدَدِ مُدُنِ الْفِلَسْطِينِيِّينَ الْعَظِيمَةِ: أَشْدُودَ، وَغَزَّةَ، وَأَشْقَلُونَ، وَجَتْ، وَعَفْرُونَ. وَيُوضَعُ التَّابُوتُ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ تَجُرُّهَا بَقَرَتَانِ وَمَعَهُ صُنْدُوقٌ بِهِ التَّمَاثِيلُ الذَّهَبِيَّةُ، وَيُطْلِقُونَ الْبَقَرَتَيْنِ تَذْهَبَانِ بِإِلْهَامٍ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، فَفَعَلُوا وَاهْتَدَتِ الْبَقَرَتَانِ إِلَى أَنْ بَلَغَ التَّابُوتُ وَالصُّنْدُوقُ إِلَى يَدِ اللُّاوِيِّينَ فِي تُخُمِ بَيْتِ شَمْسٍ، هَكَذَا وَقَعَ فِي سِفْرِ صَمْوِيلَ غَيْرَ أَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِهِ أَنَّ رُجُوعَ التَّابُوتِ إِلَيْهِمْ كَانَ قبل تمْلِيك شاوول، وَصَرِيحُ الْقُرْآنِ يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِ السِّفْرِ بِمَا يُوَافِقُ هَذَا بِأَنْ تُحْمَلَ الْحَوَادِثُ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِهَا فِي الذِّكْرِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كِتَابِهِمْ. وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute