أَنَّ الْفِلَسْطِينِيِّينَ لَمَّا عَلِمُوا اتِّحَادَ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ تَحْتَ مَلِكٍ عَلِمُوا أَنَّهُمْ مَا أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ إِلَّا لِقَصْدِ أَخْذِ الثَّأْرِ
مِنْ أَعْدَائِهِمْ وَتَخْلِيصِ تَابُوتِ الْعَهْدِ مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَدَبَّرُوا أَنْ يُظْهِرُوا إِرْجَاعَ التَّابُوتِ بِسَبَبِ آيَاتٍ شَاهَدُوهَا، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ حِدَّةَ بني إِسْرَائِيل تفل إِذَا أُرْجِعَ إِلَيْهِمُ التَّابُوتُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرُّعْبُ حَصَلَ لَهُمْ قَبْلَ تَمْلِيكِ شَاوُلَ، وَابْتِدَاء ظُهُور الِانْتِصَار بِهِ.
وَالتَّابُوتُ اسْمٌ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ فَوَزْنُهُ فَاعُولٌ، وَهَذَا الْوَزْنُ قَلِيلٌ فِي الْأَسْمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ عَلَى وَزْنِهِ إِنَّمَا هُوَ مُعَرَّبٌ مِثْلَ نَاقُوسٍ وَنَامُوسٍ، وَاسْتَظْهَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ وَزْنَهُ فَعَلُولٌ بِتَحْرِيكِ الْعَيْنِ لِقِلَّةِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي فَاؤُهَا وَلَامُهَا حَرْفَانِ مُتَّحِدَانِ: مِثْلَ سَلَسٌ وَقَلَقٌ، وَمِنْ أَجْلِ هَذَا أَثْبَتَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي مَادَّةِ تَوَبَ لَا فِي تَبَتَ.
وَالتَّابُوتُ بِمَعْنَى الصُّنْدُوقِ الْمُسْتَطِيلِ: وَهُوَ صُنْدُوقٌ أُمِرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِصُنْعِهِ صَنَعَهُ بَصْلَئِيلُ الْمُلْهَمُ فِي صِنَاعَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَنِجَارَةِ الْخَشَبِ، فَصَنَعَهُ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ- وَهُوَ شَجَرَةٌ مِنْ صِنْفِ الْقَرَظِ- وَجَعَلَ طُولَهُ ذِرَاعَيْنِ وَنِصْفًا وَعَرْضَهُ ذِرَاعًا وَنِصْفًا وَارْتِفَاعَهُ ذِرَاعًا وَنِصْفًا، وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ مِنْ دَاخِلُ وَمِنْ خَارِجُ، وَصَنَعَ لَهُ إِكْلِيلًا مِنْ ذَهَبٍ، وَسَبَكَ لَهُ أَرْبَعَ حَلَقٍ مِنْ ذَهَبٍ عَلَى قَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ، وَجَعَلَ لَهُ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبٍ مُغَشَّاتَيْنِ بِذَهَبٍ لِتَدْخُلَ فِي الْحَلَقَاتِ لِحَمْلِ التَّابُوتِ، وَجَعَلَ غِطَاءَهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ عَلَى طَرِيقِ الْغِطَاءِ صُورَةً تَخَيَّلَ بِهَا اثْنَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ ذَهَبٍ بَاسِطِينَ أَجْنِحَتَهُمَا فَوْقَ الْغِطَاءِ، وَأَمَرَ اللَّهُ مُوسَى أَنْ يَضَعَ فِي هَذَا التَّابُوتِ لَوْحَيِ الشَّهَادَةِ اللَّذَيْنِ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُمَا وَهِيَ الْأَلْوَاحُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ [الْأَعْرَاف:
١٥٤] .
وَالسَّكِينَةُ فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى الِاطْمِئْنَانِ وَالْهُدُوءِ،
وَفِي حَدِيثِ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ «عَلَيْكُمْ بِالسِّكِّينَةِ»
وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ بَرَكَةِ التَّابُوتِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ فِي حَرْبٍ أَوْ سِلْمِ كَانَتْ نُفُوسُهُمْ وَاثِقَةً بِحُسْنِ الْمُنْقَلَبِ، وَفِيهِ أَيْضًا كُتُبُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهِيَ مِمَّا تَسْكُنُ لِرُؤْيَتِهَا نُفُوس الْأُمَّةِ وَتَطْمَئِنُّ لِأَحْكَامِهَا، فَالظَّرْفِيَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ مَجَازِيَّةٌ، وَعَلَى الثَّانِي حَقِيقِيَّةٌ، وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ إِطْلَاقُ السِّكِّينَةِ عَلَى شَيْءٍ شِبْهِ الْغَمَامِ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَلَعَلَّهَا مَلَائِكَةٌ يُسَمَّوْنَ بِالسِّكِّينَةِ.
وَالْبَقِيَّةُ فِي الْأَصْلِ مَا يَفْضَلُ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُعْظَمِهِ، وَقَدْ بُيِّنَتْ هُنَا بِأَنَّهَا مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ، وَهِيَ بَقَايَا مِنْ آثَارِ الْأَلْوَاحِ، وَمِنَ الثِّيَابِ الَّتِي أَلْبَسَهَا مُوسَى أَخَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute