وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا
يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ
[مُحَمَّد: ٣٨] .
وَلَيْسَ الْمَعْنَى: أَنَّهُ إِنْ يَشَأْ يُعَجِّلْ بِمَوْتِهِمْ فَيَأْتِي جِيلُ أَبْنَائِهِمْ مُؤْمِنِينَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ يَنْبُو عَنْهُ.
وَعُطِفَ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ شَاءَ لَكَانَ هَيِّنًا عَلَيْهِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ بعزيز.
والعزيز: الْمُمْتَنع الْغَالِبُ، وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي الْإِرْهَابِ وَالتَّهْدِيدِ لِيَكُونُوا مُتَوَقِّعِينَ حُلُولَ هَذَا بِهِمْ.
وَمَفْعُولُ فِعْلِ الْمَشِيئَةِ مَحْذُوفٌ اسْتِغْنَاءً بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَهُوَ يُذْهِبْكُمْ أَيْ إِنْ يَشَأْ إِذْهَابَكُمْ، وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ لِمَفْعُولِ الْمَشِيئَةِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ.
وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: وَما ذلِكَ عَائِدَةٌ إِلَى الْإِذْهَابِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِ يُذْهِبْكُمْ أَوْ إِلَى مَا تَقَدَّمَ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ.
[١٨]
[سُورَة فاطر (٣٥) : آيَة ١٨]
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨)
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى.
لَمَّا كَانَ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مَسُوقًا فِي غَرَضِ التَّهْدِيدِ وَكَانَ الْخِطَابُ لِلنَّاسِ أُرِيدَتْ طَمْأَنَةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَوَاقِبِ التَّهْدِيدِ، فَعُقِّبَ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ وِزْرًا لَا يَنَالُهُ جَزَاءُ الْوَازِرِ فِي الْآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [مَرْيَم: ٧٢] . وَقَدْ يَكُونُ وَعْدًا بِالْإِنْجَاءِ مِنْ عَذَاب الدُّنْيَا إِذا نَزَلَ بِالْمُهَدَّدِينَ الْإِذْهَابُ وَالْإِهْلَاكُ مِثْلَمَا أُهْلِكَ فَرِيقُ الْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُنْجِيَ فَرِيقُ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَكُونُ هَذَا وَعْدًا خَاصًّا لَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الْأَنْفَال: ٢٥] وَمَا
وَرَدَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»
. فَمَوْقِعُ قَوْلِهِ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى كَمَوْقِعِ قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا