وَجُمْلَةُ أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ (مَا عَمِلُوا) .
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْحَالِ هُوَ مَا عطف عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ: وَنَسُوهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ الْعِبْرَةِ.
وَبِه تكون الْحَال مُؤَسِّسَةً لَا مُؤَكِّدَةً لعاملها، وَهُوَ فَيُنَبِّئُهُمْ، أَيْ عَلِمَهُ اللَّهُ عِلْمًا مُفَصَّلًا مِنَ الْآنَ، وَهُمْ نَسُوهُ، وَذَلِكَ تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ مُتَهَاوِنُونَ بِعَظِيمِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ مِنَ الْغُرُورِ، أَيْ نَسُوهُ فِي الدُّنْيَا بَلْهَ الْآخِرَةِ فَإِذَا أُنْبِئُوا بِهِ عَجِبُوا قَالَ تَعَالَى: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً [الْكَهْف: ٤٩] .
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ تَذْيِيلٌ. وَالشَّهِيدُ: الْعَالِمُ بالأمور الْمُشَاهدَة.
[٧]
[سُورَة المجادلة (٥٨) : آيَة ٧]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ هُوَ تَخَلُّصٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: ٦] إِلَى ذِكْرِ عِلْمِ اللَّهِ بِأَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْلَافِهِمُ الْيَهُودِ. فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يُنَاجِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيُرِيَ لِلْمُسْلِمِينَ مَوَدَّةَ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ لِبَعْضٍ فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ بِتَنَاجِيهِمْ يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ طَائِفَةٌ أَمْرُهَا وَاحِدٌ وَكَلِمَتُهَا وَاحِدَةٌ، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ يُحِبُّونَ أَنْ تكون لَهُم خيفة فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ يَتَّقُونَ بِهَا بَأْسَهُمْ إِنِ اتَّهَمُوا بَعْضَهُمْ بِالنِّفَاقِ أَوْ بَدَرَتْ مِنْ أَحَدِهِمْ بَادِرَةٌ تَنُمُّ بِنِفَاقِهِ، فَلَا يُقْدِمُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَذَاهُ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ لَهُ بِطَانَةً تُدَافِعُ عَنْهُ. وَكَانُوا إِذَا مَرَّ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ فَحَسِبُ الْمَارُّونَ لَعَلَّ حَدَثًا حَدَثَ مِنْ مُصِيبَةٍ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ عَلَى تَوَقُّعِ حَرْبٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي كُلِّ حِينٍ فَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّ مُنَاجَاةَ الْمُتَنَاجِينَ حَدِيثٌ عَنْ قُرْبِ الْعَدُوِّ أَوْ عَنْ هَزِيمَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِي السَّرَايَا الَّتِي يَخْرُجُونَ فِيهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ لِإِشْعَارِ الْمُنَافِقِينَ بِعِلْمِ اللَّهِ بِمَاذَا يَتَنَاجَوْنَ، وَأَنَّهُ مطلع رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دَخِيلَتِهِمْ لِيَكُفُّوا عَنِ الْكَيْدِ لِلْمُسْلِمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute