[سُورَة الرَّعْد (١٣) : الْآيَات ٢٨ إِلَى ٢٩]
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)
اسْتِئْنَافٌ اعْتِرَاضِيٌّ مُنَاسَبَتُهُ الْمُضَادَّةُ لِحَالِ الَّذِينَ أَضَلَّهُمُ اللَّهُ، وَالْبَيَانُ لِحَالِ الَّذِينَ هَدَاهُمْ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مِثَالَ الَّذِينَ ضَلُّوا هُوَ عَدَمُ اطْمِئْنَانِ قُلُوبِهِمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوا الْقُرْآنَ آيَةً مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ التَّصْرِيحُ بِجِنْسِ عَاقِبَةِ هَؤُلَاءِ، وَالتَّعْرِيضُ بِضِدِّ ذَلِكَ لِأُولَئِكَ، فَذِكْرُهَا عَقِبَ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ يُفِيدُ الْغَرَضَيْنِ وَيُشِيرُ إِلَى السَّبَبَيْنِ. وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلِ الَّذِينَ آمَنُوا بَدَلًا مِنْ مَنْ أَنابَ [الرَّعْد: ٢٧] لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ عَلَى الصِّلَةِ جُمْلَةُ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ وَلَا عَطْفُ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ عَلَى الصِّلَةِ الثَّانِيَةِ. فَ الَّذِينَ آمَنُوا الْأَوَّلُ مُبْتَدَأٌ، وَجُمْلَةُ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ مُعْتَرِضَةٌ والَّذِينَ آمَنُوا الثَّانِي بَدَلٌ مُطَابِقٌ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا الْأَوَّلِ، وَجُمْلَةُ طُوبى لَهُمْ خبر المبدأ.
وَالِاطْمِئْنَانُ: السُّكُونُ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلْيَقِينِ وَعَدَمِ الشَّكِّ، لِأَنَّ الشَّكَّ يُسْتَعَارُ لَهُ
الِاضْطِرَابُ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَة [٢٦٠] .
و (ذكر اللَّهِ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ خَشْيَةُ اللَّهِ وَمُرَاقَبَتُهُ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقُرْآنُ قَالَ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [سُورَة الزخرف: ٤٤] ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ قَوْلِهِمْ: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ. وعَلى هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّمَرِ:
فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [سُورَة الزمر: ٢٢] ، أَيْ لِلَّذِينَ كَانَ قَدْ زَادَهُمْ قَسْوَةَ قُلُوبٍ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهَا: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [سُورَة الزمر: ٢٣] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute