[سُورَة الْحجر (١٥) : الْآيَات ٢٤ إِلَى ٢٥]
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥)
لَمَّا ذَكَرَ الْإِحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ وَكَانَ الْإِحْيَاءُ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ- يُذَكِّرُ بِالْأَحْيَاءِ- بِفَتْحِهَا-، وَكَانَتِ الْإِمَاتَةُ تُذْكَرُ بِالْأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ تَخَلَّصَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ عَلَى عِظَمِ الْقُدْرَةِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِلَازِمِ ذَلِكَ عَلَى عِظَمِ عِلْمِ اللَّهِ وَهُوَ عِلْمُهُ بِالْأُمَمِ الْبَائِدَةِ وَعِلْمُ الْأُمَمِ الْحَاضِرَةِ فَأُرِيدَ بِالْمُسْتَقْدِمِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا الْأَحْيَاءَ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ إِلَى الْآخِرَةِ، فَالتَّقَدُّمُ فِيهِ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ وَبِالْمُسْتَأْخِرِينَ الَّذِينَ تَأَخَّرُوا وهم الْبَاقُونَ بَعْدَ انْقِرَاضِ غَيْرِهِمْ إِلَى أَجَلٍ يَأْتِي.
وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِي الْوَصْفَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ مِثْلَ اسْتَجَابَ وَلَكِنَّ قَوْلَهُمُ اسْتَقْدَمَ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ
عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ فِعْلَهُ رُبَاعِيٌّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٤] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي طَالِعِ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ الْخَبَرُ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ مِنْ طَرِيقِ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ وَمِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَهُوَ خَبَرٌ وَاهٍ لَا يُلَاقِي انتظام هَذِه الْآيَاتِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ التَّفَاسِيرِ الضَّعِيفَةِ.
وَجُمْلَةُ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ نَتِيجَةُ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ [سُورَة الْحجر: ٢٣] فَإِنَّ الَّذِي يُحْيِي الْحَيَاةَ الْأُولَى قَادِرٌ عَلَى الْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ بِالْأَوْلَى، وَالَّذِي قَدَّرَ الْمَوْتَ مَا قَدَّرَهُ عَبَثًا بَعْدَ أَنْ أَوْجَدَ الْمَوْجُودَاتِ إِلَّا لِتَسْتَقْبِلُوا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقُدِّرَ الدَّوَامُ عَلَى الْحَيَاةِ الْأُولَى، قَالَ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [سُورَة الْملك: ٢] .
وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حِكْمَةِ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ تَعْلِيلًا لِجُمْلَةِ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ لِأَنَّ شَأْنَ إِنَّ إِذَا جَاءَتْ فِي غَيْرِ مَعْنَى الرَّدِّ عَلَى الْمُنْكَرِ أَنْ تُفِيدَ مَعْنَى التَّعْلِيلِ وَالرَّبْطِ بِمَا قَبْلَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute