وَمَعْنَى نَفْعِ الصِّدْقِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْ أَمْرٍ حَسَنٍ ارْتَكَبَهُ الْمُخْبِرُ فَالصِّدْقُ حَسَنٌ وَالْمُخْبَرُ عَنْهُ حَسَنٌ فَيَكُونُ نَفْعًا مَحْضًا وَعَلَيْهِ جَزَاءَانِ، كَمَا فِي قَوْلِ عِيسَى: سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍ
[الْمَائِدَة: ١١٦] إِلَى آخِرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْ أَمْرٍ قَبِيحٍ فَإِنَّ الصِّدْقَ لَا يَزِيدُ الْمُخْبَرَ عَنْهُ قُبْحًا لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ قَبِيحًا سَوَاءٌ أُخْبِرَ عَنْهُ أَمْ لَمْ يُخْبَرْ، وَكَانَ لِقُبْحِهِ مُسْتَحِقًّا أَثَرًا قَبِيحًا مِثْلَهُ. وَيَنْفَعُ الصِّدْقُ صَاحِبَهُ مُرْتَكِبَ ذَلِكَ الْقَبِيحِ فَيَنَالُهُ جَزَاءُ الصِّدْقِ فَيَخِفُّ عَنْهُ بَعْضُ الْعِقَابِ بِمَا ازْدَادَ مِنْ وَسَائِلِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ.
وَجُمْلَةُ: لَهُمْ جَنَّاتٌ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ: يَنْفَعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ نَفْعِ الصِّدْقِ.
وَجُمْلَةُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ صفة ل جَنَّاتٌ وخالِدِينَ حَالٌ. وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ.
وَمَعْنَى: رَضُوا عَنْهُ الْمَسَرَّةُ الْكَامِلَةُ بِمَا جَازَاهُمْ بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَرِضْوَانِهِ. وَأَصْلُ الرِّضَا أَنَّهُ ضِدَّ الْغَضَبِ، فَهُوَ الْمَحَبَّةُ وَأَثَرُهَا مِنَ الْإِكْرَامِ وَالْإِحْسَانِ. فَرِضَى اللَّهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِكْرَامِهِ وَإِحْسَانِهِ مِثْلَ مَحَبَّتِهِ فِي قَوْلِهِ: يُحِبُّهُمْ. وَرِضَى الْخَلْقِ عَنِ اللَّهِ هُوَ مَحَبَّتُهُ وَحُصُولُ مَا أَمِلُوهُ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِي نُفُوسِهِمْ مُتَطَلَّعٌ.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ ذلِكَ لِتَعْظِيمِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَهُوَ الجنّات والرضوان.
[١٢٠]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ١٢٠]
لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠)
تَذْيِيلٌ مُؤْذِنٌ بِانْتِهَاءِ الْكَلَامِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ جَمَعَتْ عُبُودِيَّةَ كُلِّ الْمَوْجُودَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَنَاسَبَتْ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى، وَتَضَمَّنَتْ أَنَّ جَمِيعَهَا فِي تَصَرُّفِهِ تَعَالَى فناسبت مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَزَاءِ الصَّادِقِينَ. وَفِيهَا مَعْنَى التَّفْوِيضِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا يَنْزِلُ، فَآذَنَتْ بِانْتِهَاءِ نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ آخِرُ مَا نَزَلَ، وَبِاقْتِرَابِ وَفَاةِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فِي الْآيَةِ مِنْ مَعْنَى التَّسْلِيمِ لِلَّهِ وَأَنَّهُ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute