للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَانْتُقِلَ فِي صِفَةِ حَالِهِمْ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ حَالِ الْأَنْعَامِ بِأَنَّهُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا مِنَ الْأَنْعَامِ. وَضَلَالُ السَّبِيلِ عَدَمُ الِاهْتِدَاءِ لِلْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْأَنْعَامَ تَفْقَهُ بَعْضَ مَا تَسْمَعُهُ مِنْ أَصْوَاتِ الزَّجْرِ وَنَحْوِهَا مِنْ رُعَاتِهَا وَسَائِقِيهَا وَهَؤُلَاءِ لَا يَفْقَهُونَ شَيْئًا مِنْ أَصْوَاتِ مُرْشِدِهِمْ وَسَائِسِهِمْ وَهُوَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ [الْبَقَرَة: ٧٤] الْآيَة.

[٤٥، ٤٦]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : الْآيَات ٤٥ إِلَى ٤٦]

أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ فِيهِ انْتِقَالٌ مِنْ إِثْبَاتِ صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِثْبَاتِ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَصِفَاتِ الرُّسُلِ وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ الْوَعِيدِ وَهُوَ مِنْ هَذَا الِاعْتِبَارِ

مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الْفرْقَان: ٣٢] الْآيَةَ.

وَفِيهِ انْتِقَالٌ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى بُطْلَانِ شِرْكِهِمْ وَإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً [الْفرْقَان: ٣] الْآيَةَ.

وَتَوْجِيهُ الْخِطَابِ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ بِنَظِيرِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْفرْقَان: ٦] . وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ [الْفرْقَان: ١٥] وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [الْفرْقَان: ٢٠] وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً [الْفرْقَان: ٣١] فَكُلُّهَا مُخَاطَبَاتٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ جُعِلَ مَدُّ الظِّلِّ وَقَبْضُهُ تَمْثِيلًا لِحِكْمَةِ التَّدْرِيجِ فِي التَّكْوِينَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْعُدُولِ بِهَا عَنِ الطَّفْرَةِ فِي الْإِيجَادِ لِيَكُونَ هَذَا التَّمْثِيلُ بِمَنْزِلَةِ كُبْرَى الْقِيَاسِ لِلتَّدْلِيلِ عَلَى أَنَّ تَنْزِيلَ الْقُرْآنِ مُنَجَّمًا جَارٍ عَلَى حِكْمَةِ التَّدَرُّجِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سَابِقًا كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الْفرْقَان: ٣٢] . فَكَانَ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ... الْآيَةَ زِيَادَةٌ فِي التَّعْلِيلِ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الْفرْقَان: ٣٢] .

وَيَسْتَتْبِعُ هَذَا إِيمَاءٌ إِلَى تَمْثِيلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِظُهُورِ شَمْسٍ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَتْ