خَلْقٌ ثَانٍ.
وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ كَخَلْقِنَا إِيَّاكُمُ الْمَرَّةَ الْأُولَى، قَالَ تَعَالَى: أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق: ١٥] . وَالْمَقْصُودُ التَّعْرِيضُ بِخَطَئِهِمْ فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ.
وَالْإِضْرَابُ فِي قَوْله: لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
انْتِقَالٌ مِنَ التَّهْدِيدِ وَمَا مَعَهُ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالتَّغْلِيطِ إِلَى التَّصْرِيحِ بِالتَّغْلِيطِ فِي قَالَبِ الْإِنْكَارِ فَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّغْلِيطِ مَجَازًا وَلَيْسَ مُسْتَعْمَلًا فِي إِفَادَةِ مَدْلُولِهِ الْأَصْلِيِّ.
وَالزَّعْمُ: الِاعْتِقَادُ الْمُخْطِئُ، أَوِ الْخَبَرُ الْمُعَرَّضُ لِلْكَذِبِ. وَالْمَوْعِدُ أَصْلُهُ: وَقْتُ الْوَعْدِ بِشَيْءٍ أَوْ مَكَانُ الْوَعْدِ. وَهُوَ هُنَا الزَّمَنُ الْمَوْعُودُ بِهِ الْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمُ اعْتَقَدْتُمْ بَاطِلًا أَنْ لَا يَكُونَ لَكُمْ موعد للبعث بعدا لمَوْت أبدا.
[٤٩]
[سُورَة الْكَهْف (١٨) : آيَة ٤٩]
وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)
جُمْلَةُ وَوُضِعَ الْكِتابُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ
[الْكَهْف: ٤٨] ، فَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ وَقَدْ وُضِعَ الْكِتَابُ.
وَالْكِتَابُ مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ، أَيْ وُضِعَتْ كُتُبُ أَعْمَالِ الْبَشَرِ، لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدِ كِتَابًا، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخْرَى مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ
[الْإِسْرَاء: ١٣- ١٤] الْآيَةَ. وَإِفْرَادُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: مِمَّا فِيهِ لِمُرَاعَاةِ إِفْرَادِ لِفَظِ (الْكِتَابِ) . وَعَنِ الْغَزَالِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: يَكُونُ كِتَابٌ جَامِعٌ لِجَمِيعِ مَا هُوَ مُتَفَرِّقٌ فِي الْكُتُبِ الْخَاصَّةِ بِكُلِّ أَحَدٍ. وَلَعَلَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. وَتَفَرَّعَ عَلَى وَضْعِ الْكِتَابِ بَيَانُ حَالِ الْمُجْرِمِينَ عِنْدَ وَضْعِهِ.