وَالِاجْتِبَاءُ الِاصْطِفَاءُ وَالِاخْتِيَارُ، قَالُوا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَبْيِ، وَهُوَ الْجَمْعُ، وَمِنْهُ جِبَايَةُ الْخَرَاجِ، وَجَبْيُ الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ الَّذِي سُمِّيَتْ مِنْهُ الْجَابِيَةُ، فَالِافْتِعَالُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلُ الِاضْطِرَارِ، وَوَجْهُ الِاشْتِقَاقِ أَنَّ الْجَمْعَ إِنَّمَا يَكُونُ لِشَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِي تَحْصِيلِهِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَهُمْ فَجَعَلَهُمْ مَوْضِعَ هَدْيِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ وَنُبُوءَتَهُ وَهَدْيَهُ.
وَعَطَفَ قَوْلَهُ: وَهَدَيْناهُمْ عَلَى اجْتَبَيْناهُمْ عَطْفًا يُؤَكِّدُ إِثْبَاتَ هُدَاهُمُ اهْتِمَامًا بِهَذَا الْهَدْيِ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، أَيْ إِلَى مَا بِهِ نَوَالُ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ الْكَمَالِ لِنَوَالِهِ، فَضَرَبَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ مَثَلًا لِذَلِكَ تَشْبِيهًا لِهَيْئَةِ الْعَامِلِ لِيَنَالَ مَا يَطْلُبُهُ مِنَ الْكَمَالِ بِهَيْئَةِ السَّاعِي عَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يُوَصِّلُهُ إِلَى مَا سَار إِلَيْهِ بِدُونِ تَرَدُّدٍ وَلَا تَحَيُّرٍ وَلَا ضَلَالٍ، وَذَكَرَ مِنْ أَلْفَاظِ الْمُرَكَّبِ الدَّالِّ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا بَعْضُهُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمَحْذُوفَةِ لِلْإِيجَازِ.
وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ التَّوْحِيدُ وَالْإِيمَانُ بِمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ أُصُولِ الْفَضَائِلِ
الَّتِي اشْتَرَكَتْ فِيهَا الشَّرَائِعُ، وَالْمَقْصُودُ مَعَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمُ التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ خَالَفُوا مُعْتَقَدَهُمْ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [الْأَنْعَام: ٨٨] .
[٨٨]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٨٨]
ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨)
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، أَيْ لَا تَعْجَبُوا مِنْ هَدْيِهِمْ وَضَلَالِ غَيْرِهِمْ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْهُدَى الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ أَفْعَالِ الْهِدَايَةِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا، وَخُصُوصًا الْمَذْكُورُ آخِرًا بِقَوْلِهِ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الْأَنْعَام: ٨٧] . وَقَدْ زَادَ اسْمُ الْإِشَارَةِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِ الْهَدْيِ إِذْ جُعِلَ كَالشَّيْءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute