وَقَوْلُهُ: وَمِنْ آبائِهِمْ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: كُلًّا. فَالتَّقْدِيرُ: وَهَدَيْنَا مِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ. وَجَعَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» (مِنْ) اسْمًا بِمَعْنَى بَعْضٍ، أَيْ وَهَدَيْنَا بَعْضَ آبَائِهِمْ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ [النِّسَاء: ٤٦] . وَقَدَّرَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُ الْمَعْطُوفَ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: وَمِنْ آبَائِهِمْ جَمْعًا كَثِيرًا أَوْ مَهْدِيِّينَ كَثِيرِينَ، فَتَكُونُ (مِنْ) تبعيضية متعلّقة بهدينا.
وَالذُّرِّيَّاتُ جَمْعُ ذُرِّيَّةٍ، وَهِيَ مَنْ تَنَاسَلَ مِنَ الْآدَمِيِّ مِنْ أَبْنَاءٍ أَدْنَيْنَ وَأَبْنَائِهِمْ فَيَشْمَلُ أَوْلَادَ الْبَنِينَ وَأَوْلَادَ الْبَنَاتِ. وَوَجْهُ جَمْعِهِ إِرَادَةُ أَنَّ الْهُدَى تَعَلَّقَ بِذُرِّيَّةِ كُلِّ مِنْ لَهُ ذَرِّيَّةٌ مِنَ الْمَذْكُورِينَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ فِي هَدْيِ بَعْضِ الذُّرِّيَّةِ كَرَامَةً لِلْجِدِّ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مُرَادٌ وُقُوعُ الْهَدْيِ فِي ذُرِّيَّتِهِ. وَإِنْ كَانَتْ ذُرِّيَّاتُهُمْ رَاجِعِينَ إِلَى جَدٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ نُوحٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْهُدَى الْمُقَدَّرِ الْهُدَى الْمُمَاثِلَ لِلْهُدَى الْمُصَرَّحِ بِهِ، وَهُوَ هُدَى النُّبُوءَةِ، فَالْآبَاءُ يَشْمَلُ مِثْلَ آدَمَ وَإِدْرِيسَ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- فَإِنَّهُمْ آبَاء نوح. والذّرّات يَشْمَلُ أَنْبِيَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلَ يُوشَعَ وَدَانْيَالَ. فَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَالْأَنْبِيَاءَ مِنْ أَبْنَاءِ إِسْمَاعِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِثْلُ حَنْظَلَةَ بْنِ صَفْوَانَ وَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ، وَهُودًا، وَصَالِحًا، مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، وَشُعَيْبًا، مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ. وَالْإِخْوَانُ يَشْمَلُ بَقِيَّةَ الْأَسْبَاطِ إِخْوَةَ يُوسُفَ.
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْهُدَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ النُّبُوءَةِ شَمِلَ الصَّالِحِينَ مِنَ الْآبَاءِ مِثْلَ هَابِيلَ ابْن آدَمَ. وَشَمِلَ الذُّرِّيَّاتِ جَمِيعَ صَالِحِي الْأُمَمِ مِثْلَ أَهْلِ الْكَهْفِ، قَالَ تَعَالَى:
وَزِدْناهُمْ هُدىً [الْكَهْف: ١٣] ، وَمِثْلَ طَالُوتَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، وَمِثْلَ مُضَرَ وَرَبِيعَةَ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ. رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِثْلَ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ وَامْرَأَةِ فِرْعَوْنَ.
وَيَشْمَلُ. الْإِخْوَانُ هَارَانَ بْنَ تَارَحَ أَخَا إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ أَبُو لُوطٍ، وَعيسو أَخَا، يَعْقُوبَ وَغَيْرَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ عَلِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute