للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْفِعْلَةِ وَإِنْ كَانَ فِيمَا كَسَبُوهُ مَا هُوَ مِنْ فَاسِدِ الِاعْتِقَادِ كَاعْتِقَادِ الشُّرَكَاءِ لِلَّهِ وَإِضْمَارِ الْبُغْضِ لِلرَّسُولِ وَالصَّالِحِينَ وَالْأَحْقَادِ وَالتَّحَاسُدِ فَجَرَى تَأْنِيثُ الْوَصْفِ عَلَى تَغْلِيبِ السَّيِّئَاتِ الْعَمَلِيَّةِ مِثْلَ الْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَالْفَوَاحِشِ تَغْلِيبًا لَفْظِيًّا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ.

وَأُوثِرَ فِعْلُ كَسَبُوا عَلَى فِعْلِ: عَمِلُوا، لِقَطْعِ تَبَرُّمِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ بِتَسْجِيلِ أَنَّهُمُ اكْتَسَبُوا أَسْبَابَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ [الزمر: ٢٤] دون: تَعْمَلُونَ.

وَالْحَوْقُ: الْإِحَاطَةُ، أَيْ أَحَاطَ بِهِمْ فَلَمْ يَنْفَلِتُوا مِنْهُ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي اشْتِقَاقِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠] .

وَمَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ، أَيْ يَسْتَهْزِئُونَ بِذِكْرِهِ تَنْزِيلًا للعقاب منزلَة مستهزء بِهِ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ وَتجْعَل مُتَعَلق يَسْتَهْزِؤُنَ مَحْذُوفًا، أَيْ يَسْتَهْزِئُونَ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ ذِكْرِهِ الْعَذَابَ.

وَتَقْدِيمُ بِهِ على يَسْتَهْزِؤُنَ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَلِلرِّعَايَةِ على الفاصلة.

[٤٩]

[سُورَة الزمر (٣٩) : آيَة ٤٩]

فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٩)

الْفَاءُ لِتَفْرِيعِ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الزمر: ٤٥] الْآيَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ مُسَلْسَلٌ بَعْضُهُ مَعَ بَعْضٍ لِلْمُنَاسِبَاتِ.

وَتَفْرِيعُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ تَفْرِيعُ وَصْفِ بَعْضٍ مِنْ غَرَائِبِ أَحْوَالِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَهَلْ أَغْرَبُ مِنْ فَزَعِهِمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ بِالدُّعَاءِ إِذَا مَسَّهُمُ الضُّرُّ وَقَدْ كَانُوا يَشْمَئِزُّونَ مِنْ ذِكْرِ اسْمِهِ وَحْدَهُ فَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَتَعْكِيسٌ، فَإِنَّهُ تَسَبُّبُ