وَالْإِشَارَةُ بِ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ إِلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، أَيْ هَذَا طَرِيقُ الْوُصُولِ إِلَى الْفَوْزِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَدُونَ تَرَدُّدٍ، كَمَا أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ لَا يَنْبَهِمُ السَّيْرُ فِيهِ على السائر.
[٦٥]
[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٦٥]
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥)
هَذَا التَّفْرِيعُ هُوَ الْمَقْصُودُ مَنْ سَوْقِ الْقِصَّةِ مَسَاقَ التَّنْظِيرِ بَيْنَ أَحْوَالِ الرُّسُلِ، أَيْ عَقِبَ دَعْوَتِهِ اخْتِلَافَ الْأَحْزَابِ مِنْ بَيْنِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ وَالَّذِينَ تَقَلَّدُوا مِلَّتَهُ طَلَبًا لِلِاهْتِدَاءِ.
وَهَذَا التَّفْرِيعُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ (لَمَّا) الْمَحْذُوفِ.
وَضَمِيرُ بَيْنِهِمْ مُرَادٌ بِهِ الَّذِينَ جَاءَهُمْ عِيسَى لِأَنَّهُمْ مَعْلُومُونَ مِنْ سِيَاقِ الْقِصَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: جاءَ عِيسى [الزخرف: ٦٣] فَإِنَّ الْمَجِيءَ يَقْتَضِي مَجِيئًا إِلَيْهِ وَهُمُ الْيَهُودُ.
ومِنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَزِيدَةً لِتَأْكِيدِ مَدْلُولِ بَيْنِهِمْ أَيِ اخْتَلَفُوا اخْتِلَافَ أُمَّةٍ وَاحِدَةٍ، أَيْ فَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّقَ عِيسَى وَهُمْ: يحيى بن زَكَرِيَّاء وَمَرْيَمُ أَمُّ عِيسَى وَالْحَوَارِيُّونَ الِاثْنَا عَشَرَ وَبَعْضُ نِسَاءٍ مِثْلُ مَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ وَنَفَرٍ قَلِيلٍ، وَكَفَرَ بِهِ جُمْهُورُ الْيَهُودِ وَأَحْبَارُهُمْ، وَكَانَ مَا كَانَ مَنْ تَأَلُّبِ الْيَهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى رَفَعَهُ اللَّهُ. ثُمَّ انْتَشَرَ الْحَوَارِيُّونَ يَدْعُونَ إِلَى شَرِيعَةِ عِيسَى فَاتَّبَعَهُمْ أَقْوَامٌ فِي بِلَادِ رُومِيَّةَ وَبِلَادِ الْيُونَانِ وَلَمْ يَلْبَثُوا أَنِ اخْتَلَفُوا مِنْ بَيْنِهِمْ فِي أُصُولِ الدِّيَانَةِ فَتَفَرَّقُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ: نَسْطُورِيَّةٍ، وَيَعَاقِبَةَ، وَمَلْكَانِيَّةٍ. فَقَالَتِ النَّسْطُورِيَّةُ: عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتِ الْيَعَاقِبَةُ: عِيسَى هُوَ اللَّهُ، أَيْ بِطَرِيقِ الْحُلُولِ، وَقَالَتِ الْمَلْكَانِيَّةُ وَهُمُ الْكَاثُولِيكُ: عِيسَى ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ مَجْمُوعُهَا هُوَ الْإِلَهُ، وَتِلْكَ هِيَ: الْأَبُ اللَّهُ، وَالِابْنُ عِيسَى، وَرُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ فَالْإِلَهُ عِنْدَهُمْ أَقَانِيمُ ثَلَاثَةٌ.
وَقَدْ شَمِلَتِ الْآيَةُ كِلَا الِاخْتِلَافَيْنِ فَتَكُونُ الْفَاءُ مُسْتَعْمَلَةً فِي حَقِيقَةِ التَّعْقِيبِ وَمَجَازِهِ بِأَنْ يَكُونَ شُمُولُهَا لِلِاخْتِلَافِ الْأَخِيرِ مَجَازًا عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةُ لِتَشْبِيهِ مُفَاجَأَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute