للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِاهْتِدَاءِ مُخْتَلِفٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَلَا سِيَّمَا حِينَ رَجَّحَ جَانِبَ اهْتِدَائِهِ بِقَوْلِهِ: فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي.

عَلَى أَنَّ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ يَنْقَدِحُ بِهَا فِي ذِهْنِ السَّامِعِ أَنَّ الضَّلَالَ مِنْ تَسْوِيلِ النَّفْسِ وَلَوْ حَصَلَ لَكَانَ جِنَايَةً مِنَ النَّفْسِ عَلَيْهِ وَأَنَّ الِاهْتِدَاءَ مِنَ اللَّهِ وَأَنَّهُ نَفْعٌ سَاقَهُ إِلَيْهِ بِوَحْيِهِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَذْيِيلٌ لِمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَتَانِ الْمَقُولَتَانِ قَبْلَهُ مِنَ التَّرْدِيدِ فِي نِسْبَةِ الِاهْتِدَاءِ وَالضَّلَالِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي عَلَى هُدًى أَوْ ضِدِّهِ وَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ مُقَابَلَةٍ مِنْ أَحْوَالِ خُصُومِهِ لِأَنَّهُ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُهُ الْفَرِيقَانِ قَرِيبٌ مِمَّا يُضْمِرُونَهُ فَلَا يخفى عَلَيْهِ.

والقرب هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ فِيهِ قُرْبٌ مَجَازِيٌّ. وَهَذَا تَعْرِيض بالتهديد.

[٥١، ٥٣]

[سُورَة سبإ (٣٤) : الْآيَات ٥١ إِلَى ٥٣]

وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣)

لَمَّا جَاءَهُمُ التَّعْرِيضُ بِالتَّهْدِيدِ مِنْ لَازِمِ الْمُتَارَكَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي [سبأ: ٥٠] لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الضَّالَّ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ أَتْبَعَ حَالَهُمْ حِينَ يَحِلُّ بِهِمُ الْفَزَعُ مِنْ مُشَاهَدَةِ مَا هُدِّدُوا بِهِ.

وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيَةً لَهُ أَوْ لِكُلِّ مُخَاطَبٍ. وَحُذِفَ جَوَابُ لَوْ لِلتَّهْوِيلِ.

وَالتَّقْدِيرُ: لَرَأَيْتَ أَمْرًا فَظِيعًا.

وَمَفْعُولُ تَرى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْذُوفًا، أَيْ لَوْ تَرَاهُمْ، أَوْ تَرَى عَذَابَهَمْ وَيَكُونُ إِذْ فَزِعُوا ظَرْفًا لِ تَرى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِذْ هُوَ الْمَفْعُولَ بِهِ وَهُوَ مُجَرَّدٌ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ لَوْ تَرَى ذَلِكَ الزَّمَانَ، أَيْ تَرَى مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ.

وَالْفَزَعُ: الْخَوْفُ الْمُفَاجِئُ،

وَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: «إِنَّكُمْ لَتَكْثُرُونَ