وَالْمُصْلِحُونَ مُقَابِلُ الْمُفْسِدِينَ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ: يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ- وَقَوْلِهِ- وَكانُوا مُجْرِمِينَ [هود: ١١٦] ، فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُهْلِكُ قَوْمًا ظَالِمًا لَهُمْ وَلَكِنْ يُهْلِكُ قَوْمًا ظَالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ. قَالَ تَعَالَى: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ [الْقَصَص: ٥٩] .
وَالْمُرَادُ: الْإِهْلَاكُ الْعَاجِلُ الْحَالُّ بِهِمْ فِي غَيْرِ وَقْتِ حُلُولِ أَمْثَالِهِ دُونَ الْإِهْلَاكِ الْمَكْتُوبِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ وَهُوَ فَنَاءُ أُمَّةٍ وَقِيَامُ أُخْرَى فِي مُدَدٍ مَعْلُومَةٍ حَسَبَ سنَن مَعْلُومَة.
[١١٨، ١١٩]
[سُورَة هود (١١) : الْآيَات ١١٨ إِلَى ١١٩]
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)
لَمَّا كَانَ النَّعْيُ عَلَى الْأُمَمِ الَّذِينَ لَمْ يَقَعْ فِيهِمْ مَنْ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فَاتَّبَعُوا الْإِجْرَامَ، وَكَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ إِهْلَاكِهِمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ ظُلْمًا مِنَ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُصْلِحِينَ لَمَا أُهْلِكُوا، لَمَّا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَدْ يُثِيرُ تَوَهُّمَ أَنَّ تَعَاصِيَ الْأُمَمِ عَمَّا أَرَادَ اللَّهُ مِنْهُمْ خُرُوجٌ عَنْ قَبْضَةِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِمَا يَرْفَعُ هَذَا التَّوَهُّمَ بِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ أَنْ يَجْعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً مُتَّفِقَةً عَلَى الْحَقِّ مُسْتَمِرَّةً عَلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَكُونُوا.
وَلَكِنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي أُقِيمَ عَلَيْهَا نِظَامُ هَذَا الْعَالَمِ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ نِظَامُ عُقُولِ الْبَشَرِ قَابِلًا لِلتَّطَوُّحِ بِهِمْ فِي مَسْلَكِ الضَّلَالَةِ أَوْ فِي مَسْلَكِ الْهُدَى عَلَى مَبْلَغِ اسْتِقَامَةِ التَّفْكِيرِ وَالنَّظَرِ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ حُجُبِ الضَّلَالَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْعُقُولَ صَالِحَةً لِذَلِكَ جَعَلَ مِنْهَا قَبُولَ الْحَقِّ بِحَسَبِ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ سَلَامَةُ الْعُقُولِ مِنْ عَوَارِضِ الْجَهَالَةِ وَالضَّلَالِ وَهِيَ الْفِطْرَةُ الْكَامِلَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute