بَيْنَهُمْ. وَقَوْلُهُ: فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ تَخَلُّصٌ مِنْ تَنْهِيَةِ تَقْرِيعِ مُكَذِّبِيهِ إِلَى كَرَامَةِ الْمُصَدِّقِينَ بِهِ.
وَاقْتُصِرَ مِنْ دَعَاوِي تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى قَوْلِهِمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ الِادِّعَاءَ قَصَدُوا بِهِ التَّوَسُّلَ إِلَى قَتْلِهِ، لِأَنَّ حُكْمَ السَّاحِرِ فِي شَرِيعَةِ الْيَهُودِ الْقَتْلُ إِذِ السِّحْرُ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ، إِذْ كَانَ مِنْ صِنَاعَةِ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، فَقَدْ قَرَنَتِ التَّوْرَاةُ السِّحْرَ وَعِرَافَةِ الْجَانِّ بِالشِّرْكِ، كَمَا جَاءَ فِي سفر اللاويّين فِي الْإِصْحَاحِ الْعِشْرِينَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ، وَالْإِشَارَةُ بِ هَذَا إِلَى مَجْمُوعِ مَا شَاهَدُوهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ إِلَّا سَاحِرٌ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى عِيسَى الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِعِيسَى كِلْتَا الْمَقَالَتَيْنِ عَلَى التَّفْرِيقِ أَوْ عَلَى اخْتِلَافِ جَمَاعَاتِ الْقَائِلِينَ وأوقات القَوْل.
[١١١]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ١١١]
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ [الْمَائِدَة: ١١٠] ، فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَقُولُهُ اللَّهُ لِعِيسَى يَوْمَ يَجْمَعُ الرُّسُلَ. فَإِنَّ إِيمَانَ الْحَوَارِيِّينَ نِعْمَةٌ عَلَى عِيسَى إِذْ لَوْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ لَمَا وَجَدَ مَنْ يَتَّبِعُ دِينَهُ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ الْمُتَجَدِّدُ بِتَجَدُّدِ اهْتِدَاءِ الْأَجْيَالِ بِدِينِهِ إِلَى أَنْ جَاءَ نَسْخُهُ بِالْإِسْلَامِ.
وَالْمُرَادُ بِالْوَحْيِ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ إِلْهَامُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ دَعْوَةِ عِيسَى لِلْمُبَادَرَةِ بِتَصْدِيقِهِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَحْيِ الَّذِي بِهِ دَعَاهُمْ عِيسَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَحْيُ الَّذِي أُوحِيَ بِهِ إِلَى
عِيسَى لِيَدْعُوَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى دِينِهِ. وَخَصَّ الْحَوَارِيُّونَ بِهِ هُنَا تَنْوِيهًا بِهِمْ حَتَّى كَأَنَّ الْوَحْيَ بِالدَّعْوَةِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا لِأَجْلِهِمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ لِجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَفَرَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ [الصَّفّ: ١٤]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute