وَلَيْسَ مِنْ غَرَضِ الْقُرْآنِ مَعْرِفَةُ الْحَوَادِثِ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ [٢٦] إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى، فَاخْتِلَافُ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْبَحْثِ عَنْ تَحْقِيقِ وَعِيدِ فِرْعَوْنَ زِيَادَةٌ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِرْعَوْنَ أُفْحِمَ لَمَّا رَأَى قِلَّةَ مُبَالَاتِهِمْ بِوَعِيدِهِ فَلَمْ يَرُدَّ جَوَابًا.
وَذِكْرُهُمُ الْإِسْلَامَ فِي دُعَائِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَلْهَمَهُمْ حَقِيقَتَهُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلِمَةَ مُسْلِمِينَ تَعْبِيرُ الْقُرْآنِ عَنْ دُعَائِهِمْ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُمُ اللَّهُ عَلَى حَالَةِ الصِّدِّيقِينَ، وَهِيَ الَّتِي يَجْمَعُ لَفْظُ الْإِسْلَامِ تَفْصِيلَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ مَعْنَى كَوْنِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فِي سُورَة الْبَقَرَة [١٣٢] .
[١٢٧، ١٢٨]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : الْآيَات ١٢٧ إِلَى ١٢٨]
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨)
جُمْلَةُ: قالَ الْمَلَأُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ [الْأَعْرَاف: ١٢٣] أَو على حَملَة قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ [الْأَعْرَاف: ١٠٩] . وَإِنَّمَا عُطِفَتْ وَلَمْ تُفْصَلْ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنِ الْمُحَاوَرَةِ الَّتِي بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَمَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِهِ بِمُوسَى وَآيَاتِهِ، لِأَنَّ أُولَئِكَ لَمْ يُعَرِّجُوا عَلَى ذِكْرِ مَلَأِ فِرْعَوْنَ، بَلْ هِيَ مُحَاوَرَةٌ بَيْنَ مَلَأِ فِرْعَوْنَ وَبَيْنَهُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ وَقْتِ الْمُحَاوَرَةِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَالسَّحَرَةِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا قِلَّةَ اكْتِرَاثِ الْمُؤْمِنِينَ بِوَعِيدِ فِرْعَوْن، وَرَأَوا قلَّة اكتراث الْمُؤمنِينَ بوعيد فِرْعَوْنَ، وَرَأَوْا نُهُوضَ حُجَّتِهِمْ عَلَى فِرْعَوْنَ وَإِفْحَامَهُ. وَأَنَّهُ لَمْ يُحِرْ جَوَابًا. رَامُوا إِيقَاظَ ذِهْنِهِ، وَإِسْعَارَ حَمِيَّتِهِ، فَجَاءُوا بِهَذَا الْكَلَامِ الْمُثِيرِ لِغَضَبِ فِرْعَوْنَ، وَلَعَلَّهُمْ رَأَوْا مِنْهُ تَأَثُّرًا بِمُعْجِزَةِ مُوسَى وَمَوْعِظَةِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ قَوْمِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute