للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنِ النَّقَّاشِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِالْبَيْدَاءِ فِي بَدْرٍ، قَبْلَ ابْتِدَاءِ الْقِتَالِ، فَيَكُونُ نُزُولُهَا مُتَقَدِّمًا عَلَى أَوَّلِ السُّورَةِ ثُمَّ جُعِلَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ السُّورَةِ.

وَالتَّنَاسُبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا ظَاهِرٌ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا

نَزَلَتْ مَعَ تَمَامِ السُّورَةِ فَهِيَ تَمْهِيدٌ لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقِتَالِ لِيُحَقِّقُوا كفايتهم الرَّسُول.

[٦٥]

[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : آيَة ٦٥]

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٦٥)

أُعِيدَ نِدَاءُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْكَلَامِ الْوَارِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي مَعْنَى الْمَقْصِدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَكَفَّلَ اللَّهُ لَهُ الْكِفَايَةَ، وَعَطَفَ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِسْنَادِ الْكِفَايَةِ إِلَيْهِمْ، احْتِيجَ إِلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ كِفَايَتِهِمْ، وَتِلْكَ هِيَ الْكِفَايَةُ بِالذَّبِّ عَنِ الْحَوْزَةِ وَقِتَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، فَالتَّعْرِيفُ فِي الْقِتالِ لِلْعَهْدِ، وَهُوَ الْقِتَالُ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ، أَعْنِي: قِتَالَ أَعْدَاءِ الدِّينِ.

وَالتَّحْرِيضُ: الْمُبَالَغَةُ فِي الطَّلَبِ.

وَلَمَّا كَانَ عُمُومُ الْجِنْسِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْقِتَالِ يَقْتَضِي عُمُومَ الْأَحْوَالِ بِاعْتِبَارِ الْمُقَاتَلِينَ- بِفَتْحِ التَّاءِ- وَكَانَ فِي ذَلِكَ إِجْمَالٌ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَدُوُّ كَثِيرِينَ وَيَكُونُ الْمُؤْمِنُونَ أَقَلَّ مِنْهُمْ، بَيَّنَ هَذَا الْإِجْمَالَ بِقَوْلِهِ: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ الْآيَةَ.

وَضَمِيرُ مِنْكُمْ خِطَابٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.

وَفُصِلَتْ جُمْلَةُ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ لِأَنَّهَا لَمَّا جُعِلَتْ بَيَانًا لِإِجْمَالٍ كَانَتْ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، لِأَنَّ الْإِجْمَالَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثِيرَ سُؤَالَ سَائِلٍ عَمَّا يَعْمَلُ إِذَا كَانَ عَدَدُ الْعَدُوِّ كَثِيرًا، فَقَدْ صَارَ الْمَعْنَى: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ.