وَكَذَلِكَ الِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ إِنْكَارِيٌّ وَأَرَادَ بِالسِّحْرِ الْكَلَامَ الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْكُمْ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَشَرًا مِثْلَكُمْ فَمَا تَصْدِيقُكُمْ لِنُبُوءَتِهِ إِلَّا مِنْ أَثَرِ سِحْرٍ سَحَرَكُمْ بِهِ
فَتَأْتُونَ السِّحْرَ بِتَصْدِيقِكُمْ بِمَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ.
وَأُطْلِقَ الْإِتْيَانُ عَلَى الْقَبُولِ وَالْمُتَابَعَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ أَوِ الِاسْتِعَارَةِ، لِأَنَّ الْإِتْيَانَ لِشَيْءٍ يَقْتَضِي الرَّغْبَةَ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْإِتْيَانِ هُنَا حُضُورُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَمَاعِ دَعْوَتِهِ فَجَعَلُوهُ إِتْيَانًا، لِأَنَّ غَالِبَ حُضُورِ الْمَجَالِسِ أَنْ يَكُونَ بِإِتْيَانٍ إِلَيْهَا، وَجَعَلُوا كَلَامَهُ سِحْرًا فَنَهَوْا مَنْ نَاجَوْهُمْ عَنِ الِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فِي سُورَةِ [فُصِّلَتْ: ٢٦] .
وَقَوْلُهُ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ تَأْتُونَ السِّحْرَ وَبَصَرُكُمْ سَلِيمٌ، وَأَرَادُوا بِهِ الْعِلْمَ الْبَدِيهِيَّ، فَعَبَّرُوا عَنْهُ بِالْبَصَرِ لِأَنَّ الْمُبْصَرَاتِ لَا يَحْتَاجُ إِدْرَاكُهَا إِلَى تفكير.
[٤]
[سُورَة الْأَنْبِيَاء (٢١) : آيَة ٤]
قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤)
أَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى نَجْوَاهُمْ فَلَمْ يَتِمَّ لَهُمْ مَا أَرَادُوا مِنَ الْإِسْرَارِ بِهَا فَبَعْدَ أَنْ حَكَى مَا تَنَاجَوْا بِهِ أَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ الَّذِي عَلِمَ نَجْوَاهُمْ يَعْلَمُ كُلَّ قَوْلٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ جَهْرٍ أَوْ سِرٍّ، فَالتَّعْرِيفُ فِي الْقَوْلَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَبِذَلِكَ كَانَ هَذَا تَذْيِيلًا، وَأَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهُ الْمُتَّصِفُ بِتَمَامِ الْعِلْمِ لِلْمَسْمُوعَاتِ وَغَيْرِهَا بِقَوْلِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute