للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ مُلْتَئَمَةً بِهَا حِينَ الْمَوْتِ ثُمَّ إِرْجَاعُ رُوحِ كُلِّ جَسَدٍ إِلَيْهِ بَعْدَ تَصْوِيرِهِ بِمَا سُمِّيَ بِالنَّفْخِ فَقَالَ: وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى [النَّجْم: ٤٧] وَقَالَ: أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ [ق: ١٥، ١٦] الْآيَةَ. أَيْ فَذَلِكَ يُشْبِهُ خَلْقَ آدَمَ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ وَتَسْوِيَتِهِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَذَلِكَ بَيَانٌ مُقْنِعٌ لِلْمُتَأَمِّلِ لَوْ نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلتَّأَمُّلِ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ مِنَ الْعَنَاصِرِ وَالْقُوَى الدَّقِيقَةِ أَجْزَاؤُهَا الْجَلِيلَةِ آثَارُهَا، وَتَسْيِيرُهَا بِمَا يَشْمَلُ الْأَرْوَاحَ الَّتِي تَحِلُّ فِي الْأَجْسَامِ وَالْقُوَى الَّتِي تودعها فِيهَا.

[٤، ٥]

[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ٤]

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)

، [سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ٥]

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥)

لَامُ التَّعْلِيلِ تَتَعَلَّقُ بِفعل لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سبأ: ٣] دُونَ تَقْيِيدِ الْإِتْيَانِ بِخُصُوصِ الْمُخَاطَبِينَ بل المُرَاد من شَمَلَهُمْ وَغَيْرَهُمْ لِأَنَّ جَزَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِالْمُخَاطَبِينَ فَكَأَنَّهُ قِيلَ:

لَتَأْتِيَنَّ السَّاعَةُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ، وَهُمُ الْمُخَاطَبُونَ، وَضَمِيرُ «يَجْزِيَ» عَائِدٌ إِلَى عالِمِ الْغَيْبِ [سبأ: ٣] .

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي إِيجَادِ السَّاعَةِ لِلْبَعْثِ وَالْحَشْرِ هِيَ جَزَاءُ الصَّالِحِينَ عَلَى صَلَاحِ اعْتِقَادِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، أَيْ جَزَاءً صَالِحًا مُمَاثِلًا، وَجَزَاءُ الْمُفْسِدِينَ جَزَاءً سَيِّئًا، وَعُلِمَ نَوْعُ الْجَزَاءِ مِنْ وَصْفِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ.

وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِكُلِّ فَرِيقٍ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ جَدِيرٌ بِمَا سَيَرِدُ بَعْدَ اسْمِ

الْإِشَارَةِ مِنَ الْحُكْمِ لِأَجْلِ مَا قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنَ الْأَوْصَافِ.

فَجُمْلَةُ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ.

وَجُمْلَةُ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ ابْتِدَائِيَّةٌ أَيْضًا.