وَالرِّزْقِ وَالْإِنْعَامِ لِلَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلٍ لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا الْإِقْرَارُ بِهِ يَنْتِجُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ مَعَهُ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ. وبَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ تُفِيدُ مَعْنَى (لَكِنَّ) بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَهُ الْإِنْكَارُ مِنِ انْتِفَاءِ أَنْ يَكُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ فَكَانَ حَقُّ النَّاسِ أَنْ لَا يُشْرِكُوا مَعَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ غَيْرَهُ فَجِيءَ بِالِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ وَأَنْزَلَ لَكُمْ وَقَوْلُهُ مَا كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالدَّلِيلِ مَعَ أَنَّهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ مَكْشُوفٌ، فَهُمْ مُكَابِرُونَ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الِاهْتِدَاءِ بِهَذَا الدَّلِيلِ، فَهُمْ يَعْدِلُونَ بِاللَّهِ غَيْرَهُ، أَيْ يَجْعَلُونَ غَيْرَهُ عَدِيلًا مَثِيلًا لَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ مَعَ أَنَّ غَيْرَهُ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ يَعْدِلُونَ مِنْ عَدَلَ الَّذِي يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ، أَوْ يَعْدِلُونَ عَنِ الْحَقِّ مَنْ عَدَلَ الَّذِي يُعَدَّى بِ (عَنْ) .
وَسُئِلَ بَعْضُ الْعَرَبِ عَنِ الْحَجَّاجِ فَقَالَ: «قَاسِطٌ عَادِلٌ» ، فَظَنُّوهُ أَثْنَى عَلَيْهِ فَبَلَغَتْ كَلِمَتُهُ لِلْحَجَّاجِ، فَقَالَ: أَرَادَ قَوْلَهُ تَعَالَى أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً
[الْجِنّ: ١٥] أَيْ وَذَلِكَ قَرِينَةٌ على أَن المرار بِ (عَادِلٌ) أَنَّهُ عَادِلٌ عَنِ الْحَقِّ.
وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْمَقْصُودُ تَوْبِيخُهُمْ عَلَى الْإِشْرَاكِ مَعَ وضوح دلَالَة خلق السَّمَوَات وَالْأَرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ الْمَاءِ.
وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الدَّلَالَةُ أَوْضَحَ الدَّلَالَاتِ الْمَحْسُوسَةِ الدَّالَّةِ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ بِالْخَلْقِ وَصَفَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ بِأَنَّهُمْ فِي إِشْرَاكِهِمْ مُعْرِضُونَ إِعْرَاضَ مُكَابَرَةٍ عُدُولًا عَنِ الْحَقِّ الْوَاضِحِ قَالَ تَعَالَى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لُقْمَان:
٢٥] .
وَالْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِالْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى شِرْكِهِمْ لَمْ يَسْتَنِيرُوا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ وَلَا أَقْلَعُوا بَعْدَ التَّذْكِيرِ بِالدَّلَائِلِ. وَفِي الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ إِيمَاءٌ إِلَى تَمَكُّنِ صِفَةِ الْعُدُولِ عَنِ الْحَقِّ مِنْهُمْ حَتَّى كَأَنَّهَا مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ غير مرّة.
[٦١]
[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٦١]
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٦١)
أَمْ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ مِثْلُ أُخْتِهَا السَّابِقَةِ. وَهَذَا انْتِقَالٌ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute