للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَصْفَ اللَّهِ بِأَنَّهُ تَوَّابٌ حَكِيمٌ لِلْمُنَاسَبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَذَكَرَ هُنَا بِأَنَّهُ رؤوف رَحِيمٌ، لِأَنَّ هَذَا التَّنْبِيهَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ التَّذْيِيلُ فِيهِ انْتِشَالٌ لِلْأُمَّةِ مِنِ اضْطِرَابٍ عَظِيمٍ فِي أَخْلَاقِهَا وَآدَابِهَا وَانْفِصَامِ عُرَى وَحْدَتِهَا فَأَنْقَذَهَا مِنْ ذَلِكَ رَأْفَةً وَرَحْمَةً لِآحَادِهَا وَجَمَاعَتِهَا وَحِفْظًا لِأَوَاصِرِهَا.

وَذَكَرَ وَصْفَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ هُنَا لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ إِنْقَاذُهُ إِيَّاهُمْ مِنْ سُوءِ مَحَبَّةِ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا تِلْكَ الْمَحَبَّةُ الَّتِي انْطَوَتْ عَلَيْهَا ضَمَائِرُ الْمُنَافِقِينَ كَانَ إِنْقَاذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ التَّخَلُّقِ بِهَا رَأْفَةً بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَرَحْمَةً لَهُمْ بِثَوَابِ الْمَتَابِ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ مُنْتَهَى الْآيَاتِ الْعَشْرِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْإِفْكِ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، نَزَلَتْ مُتَتَابِعَةً على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلَاهَا حِينَ نُزُولِهَا وَهُوَ فِي بَيته.

[٢١]

[سُورَة النُّور (٢٤) : آيَة ٢١]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١)

هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ الْعَشْرِ الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، وَوُقُوعُهُ عَقِبَ الْآيَاتِ الْعَشْرِ الَّتِي فِي قَضِيَّةِ الْإِفْكِ مُشِيرٌ إِلَى أَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ تِلْكَ الْآيَاتُ مِنَ الْمَنَاهِي وَظُنُونِ السُّوءِ وَمَحَبَّةِ شُيُوعِ الْفَاحِشَةِ كُلُّهُ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، فَشَبَّهَ حَالَ فَاعِلِهَا فِي كَوْنِهِ مُتَلَبِّسًا بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ بِهَيْئَةِ الشَّيْطَانِ يَمْشِي وَالْعَامِلُ بِأَمْرِهِ يَتَّبِعُ خُطَى ذَلِكَ الشَّيْطَانِ. فَفِي قَوْلِهِ:

لَا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ تَمْثِيلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى تَشْبِيهِ حَالَةٍ محسوسة بِحَالَة معقولة إِذْ لَا يَعْرِفُ السَّامِعُونَ لِلشَّيْطَانِ خُطُوَاتٍ حَتَّى يُنْهَوْا عَلَى اتِّبَاعِهَا.