للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً إِلَخْ لِلِاحْتِرَاسِ مِنْ أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْمَنَازِلَ غَيْرَ الْمَسْكُونَةِ يَدْخُلُهَا النَّاسُ فِي غَيْبَةِ أَصْحَابِهَا بِدُونِ إِذَنٍ مِنْهُمْ تَوَهُّمًا بِأَنَّ عِلَّةَ شَرْعِ الِاسْتِئْذَانِ مَا يَكْرَهُ أَهْلُ الْمَنَازِلِ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ عَلَى غَيْرِ تَأَهُّبٍ بَلِ الْعِلَّةُ هِيَ كَرَاهَتُهُمْ رُؤْيَةَ مَا يُحِبُّونَ ستره من شؤونهم. فَالشَّرْطُ هُنَا يُشْبِهُ الشَّرْطَ الْوَصْلِيَّ لِأَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْقِيقِ مَا قَبْلَهُ وَلِذَلِكَ لَيْسَ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ.

وَالْغَايَةُ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ لِتَأْكِيدِ النَّهْيِ بِقَوْلِهِ: فَلا تَدْخُلُوها أَيْ حَتَّى يَأْتِيَ أَهْلُهَا فَيَأْذَنُوا لَكُمْ.

وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ تَذْيِيلٌ لِهَذِهِ الْوَصَايَا بِتَذْكِيرِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِأَعْمَالِهِمْ لِيُزْدَجَرَ أَهْلُ الْإِلْحَاحِ عَنْ إِلْحَاحِهِمْ بِالتَّثْقِيلِ، وَلِيُزْدَجَرَ أَهْلُ الْحِيَلِ أَوِ التَّطَلُّعِ مِنَ الشُّقُوقِ وَنَحْوِهَا. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالْوَعِيدِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ عِصْيَانًا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ. فَعِلْمُهُ بِهِ كِنَايَةٌ عَنْ مُجَازَاتِهِ فَاعِلِيهِ بِمَا يسْتَحقُّونَ.

وخطاب فَلا تَدْخُلُوها يَعُمُّ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النُّور: ٥٨] كَمَا سَيَأْتِي. وَلِذَا فَإِنَّ الْمَمَالِيكَ وَالْأَطْفَالَ مُخَصَّصُونَ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ كَمَا سَيَأْتِي.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بُيُوتاً حَيْثُمَا وَقَعَ بِكَسْرِ الْبَاءِ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ الْبَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ آل عمرَان.

[٢٩]

[سُورَة النُّور (٢٤) : آيَة ٢٩]

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩)

هَذَا تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ [النُّور: ٢٧] بِالْبُيُوتِ الْمُعَدَّةِ لِلسُّكْنَى، فَأَمَّا الْبُيُوتُ الَّتِي لَيْسَتْ مَعْدُودَةً لِلسُّكْنَى إِذَا كَانَ لِأَحَدٍ حَاجَةٌ فِي دُخُولِهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا لِأَنَّ كَوْنَهَا غَيْرَ مَعْدُودَةٍ لِلسُّكْنَى تَجْعَلُ الْقَاطِنَ بِهَا غَيْرَ مُحْتَرِزٍ