للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فَتَحَ الله على الْأَئِمَّة مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ خَاصَّةً اه. وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا.

[٧]

[سُورَة الْحَشْر (٥٩) : آيَة ٧]

مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧)

مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ.

جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ جَعَلُوا هَذِهِ الْآيَةَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ، أَيْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ الِابْتِدَائِيِّ، وَأَنَّهَا قُصِدَ مِنْهَا حُكْمٌ غَيْرُ الْحُكْمِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ الَّتِي قَبْلَهَا. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَالِكٌ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فَجَعَلُوا مَضْمُونَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ خَاصَّةً، وَجَعَلُوا الْآيَةَ الثَّانِيَةَ هَذِهِ إِخْبَارًا عَنْ حُكْمِ الْأَفْيَاءِ الَّتِي حُصِّلَتْ عِنْدَ فَتْحِ قُرًى أُخْرَى بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ. مِثْلِ

قُرَيْظَةَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَفَدَكَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَنَحْوِهِمَا فَعَيَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ لِلْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا، وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْجَيْشِ أَيْضًا وَهَذَا الَّذِي يَجْرِي عَلَى وِفَاقِ كَلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَضَائِهِ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فِيمَا بِأَيْدِيهِمَا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ عَلَى احْتِمَالٍ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ تَغْيِيرُ أُسْلُوبِ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ هُنَا: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى بَعْدَ أَنْ قَالَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ [الْحَشْر: ٦] فَإِنَّ ضَمِيرَ مِنْهُمْ رَاجِعٌ لِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [الْحَشْر: ٢] وَهُمْ بَنُو النَّضِيرِ لَا مَحَالَةَ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ عَقِبَ الْآيَةِ الْأُولَى، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ فَإِنَّ فَتْحَ الْقُرَى وَقَعَ بَعْدَ فَتْحِ النَّضِيرِ بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ.

وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ الْآيَةَ كَلِمَةً وَبَيَانًا لِلْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَي بَيَانا للإجمال الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ الْآيَة [الْحَشْر: ٦] ، لِأَنَّ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى الْإِعْلَامِ بِأَنَّ أَهْلَ الْجَيْشِ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ، وَلَمْ تُبَيِّنْ مُسْتَحِقَّهُ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ [الْحَشْر: ٦] أَنَّهُ مَالٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَضَعهُ حَيْثُ شَاءَ عَلَى يَد رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ مُسْتَحِقِّيهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْجَيْشِ. فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا مَوْقِعُ عَطْفِ الْبَيَانِ. وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ وَعَلَيْهِ جَرَى تَفْسِيرُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» . وَمُقْتَضَى هَذَا