للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْإِغْوَاءُ: جَعْلُ الشَّخْصِ ذَا غِوَايَةٍ، وَهِيَ الضَّلَالُ عَنِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ.

وَجُمْلَةُ هُوَ رَبُّكُمْ ابْتِدَائِيَّةٌ لِتَعْلِيمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمْ إِنْ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ اللَّهِ، أَوْ لِتَذْكِيرِهِمْ بِذَلِكَ إِنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِهِ وَيُشْرِكُونَ مَعَهُ وَدًّا، وَسُوَاعًا، وَيَغُوثَ، وَيَعُوقَ، وَنَسْرًا.

وَالتَّقْدِيمُ فِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لِلِاهْتِمَامِ وَلِرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ وَلَيْسَ لِلْقَصْرِ، لِأَنَّهُمْ لَا

يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ أَصْلًا بَلْهَ أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّهُمْ يَحْضُرُونَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى غَيْرِهِ.

وَتَمَثَّلَتْ فِيمَا قَصَّهُ اللَّهُ مِنْ قِصَّةِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَعَ قَوْمِهِ صُورَةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ تَفْكِيرِ أَهْلِ الْعُقُولِ السَّخِيفَةِ الَّتِي رَانَ عَلَيْهَا الضَّلَالُ فَقَلَبَ أَفْكَارَهَا إِلَى اعْوِجَاجٍ فَظِيعٍ، وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي تَتَمَثَّلُ فِي الْأُمَمِ الَّتِي لَمْ يُثَقِّفْ عُقُولَهَا الْإِرْشَادُ الدِّينِيُّ فَغَلَبَ عَلَيْهَا الِانْسِيَاقُ وَرَاءَ دَاعِي الْهَوَى، وَامْتَلَكَهَا الْغُرُورُ بِظَنِّ الْخَطَأِ صَوَابًا، وَمُصَانَعَةِ مَنْ تُصَأْصِئُ عَيْنُ بَصِيرَتِهِ بِلَائِحٍ مِنَ النُّورِ، مَنْ يَدْعُوهُ إِلَى إِغْمَاضِهَا وَعَدِمَتِ الْوَازِعَ النَّفْسَانِيَّ فَلَمْ تَعْبَأْ إِلَّا بِالصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ وَلَمْ تَهْتَمَّ إِلَّا بِاللَّذَّاتِ وَحُبِّ الذَّاتِ وَلَا تَزِنُ بِمِعْيَارِ النَّقْدِ الصَّحِيحِ خُلُوصَ النُّفُوسِ مِنْ دخل النقائص.

[٣٥]

[سُورَة هود (١١) : آيَة ٣٥]

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)

جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ الْقِصَّةِ وَلَيْسَتْ مِنَ الْقِصَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهَا مِنْهَا فَقَدْ أَبْعَدَ، وَهِيَ تَأْكِيدٌ لِنَظِيرِهَا السَّابِقِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّ تَفَاصِيلَ الْقِصَّةِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا الْمُخَاطَبُونَ تَفَاصِيلٌ عَجِيبَةٌ تَدْعُو الْمُنْكِرِينَ إِلَى أَنْ يَتَذَكَّرُوا إِنْكَارَهُمْ وَيُعِيدُوا ذِكْرَهُ.