قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَدَنِيَّ فِيهَا كَثِيرٌ، وَكُلُّ مَا نَزَلْ فِي شَأْنِ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدَ بْنِ رَبِيعَةَ فَهُوَ مَدَنِيٌّ.
وَأَقُولُ أَشْبَهُ آيَاتِهَا بِأَنْ يَكُونَ مَدَنِيًّا قَوْلُهُ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [الرَّعْد: ٤١] كَمَا سَتَعْلَمُهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ- إِلَى-
وَإِلَيْهِ مَتابِ [سُورَة الرَّعْد: ٣٠] ، فَقَدْ قَالَ مُقَاتِلٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ نَزَلَتْ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ تَفْسِيرِهَا.
وَمَعَانِيهَا جَارِيَةٌ عَلَى أُسْلُوبِ مَعَانِي الْقُرْآنِ الْمَكِّيِّ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ على الوحدانية وتقريع الْمُشْرِكِينَ وَتَهْدِيدِهِمْ. وَالْأَسْبَابُ الَّتِي أَثَارَتِ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ أَخْبَارٌ وَاهِيَةٌ، وَسَنَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَكِّيَّةً. وَمن آياتها آيَات نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَأُلْحِقَتْ بِهَا. فَإِن ذَلِك وَقع فِي بَعْضِ سُوَرِ الْقُرْآنِ، فَالَّذِينَ قَالُوا: هِيَ مَكِّيَّةٌ لَمْ يَذْكُرُوا مَوْقِعَهَا مِنْ تَرْتِيبِ الْمَكِّيَّاتِ سِوَى أَنَّهُمْ ذَكَرُوهَا بَعْدَ سُورَةِ يُوسُفَ وَذَكَرُوا بَعْدَهَا سُورَةَ إِبْرَاهِيمَ.
وَالَّذِينَ جَعَلُوهَا مَدَنِيَّةً عَدُّوهَا فِي النُّزُولِ بَعْدَ سُورَةِ الْقِتَالِ وَقبل سُورَة الرحمان وَعَدُّوهَا سَابِعَةً وَتِسْعِينَ فِي عِدَادِ النُّزُولِ. وَإِذْ قَدْ كَانَتْ سُورَةُ الْقِتَالِ نَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ عَامَ الْفَتْحِ تَكُونُ سُورَةُ الرَّعْدِ بَعْدَهَا.
وَعُدَّتْ آيَاتُهَا ثَلَاثًا وَأَرْبَعِينَ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَأَرْبَعًا وَأَرْبَعِينَ فِي عَدَدِ الْمَدَنِيِّينَ وَخَمْسًا وَأَرْبَعِينَ عِنْد الشَّام.
[مقاصدها]
أُقِيمَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى أَسَاسِ إِثْبَاتِ صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ إِفْرَادِ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْبَعْثِ وَإِبْطَالِ أَقْوَالِ الْمُكَذِّبِينَ فَلِذَلِكَ تَكَرَّرَتْ حِكَايَةُ أَقْوَالِهِمْ خَمْسَ مَرَّاتٍ مُوَزَّعَةً عَلَى السُّورَةِ بَدْءًا وَنِهَايَةً.
وَمُهِّدَ لِذَلِكَ بِالتَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ وَأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ، وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى تَفَرُّدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute