للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَعَرِضُ نِسْيَانُهُ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسْيَانا موقتا كَشَأْنِ عَوَارِضِ الْحَافِظَةِ الْبَشَرِيَّةِ ثُمَّ يُقَيِّضُ اللَّهُ لَهُ مَا يُذَكِّرُهُ بِهِ.

فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «سَمِعَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ بِالْمَسْجِدِ فَقَالَ: يرحمه الله لقد أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهُنَّ أَوْ كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا، وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْقَطَ آيَةً فِي قِرَاءَتِهِ فِي الصَّلَاةِ فَسَأَلَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنُسِخَتْ؟ فَقَالَ: «نَسِيتُهَا»

. وَلَيْسَ قَوْلُهُ: فَلا تَنْسى مِنَ الْخَبَرِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي النَّهْيِ عَنِ النِّسْيَانِ لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ، أَمَّا إِنَّهُ لَيْسَتْ (لَا) فِيهِ نَاهِيَةً فَظَاهِرٌ وَمِنْ زَعْمِهِ تَعَسُّفٌ لِتَعْلِيلِ كِتَابَةِ الْأَلِفِ فِي آخِرِهِ.

وَجُمْلَةُ: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى مُعْتَرِضَةٌ وَهِيَ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ: فَلا تَنْسى إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ فَإِنَّ مَضْمُونَ تِلْكَ الْجُمْلَةِ ضَمَانُ اللَّهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِفْظَ الْقُرْآنِ مِنَ النَّقْصِ الْعَارِضِ.

وَمُنَاسَبَةُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى أَنَّ مَا يَقْرَؤُهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْجَهْرِ فَاللَّهُ يَعْلَمُهُ، وَمَا يَنْسَاهُ فَيُسْقِطُهُ مِنَ الْقُرْآنِ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْخَفِيِّ فَيَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ اخْتَفَى فِي حَافِظَتِهِ حِينَ الْقِرَاءَةِ فَلَمْ يَبْرُزْ إِلَى النُّطْق بِهِ.

[٨]

[سُورَة الْأَعْلَى (٨٧) : آيَة ٨]

وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨)

عُطِفَ عَلَى سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الْأَعْلَى: ٦] . وَجُمْلَةُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى [الْأَعْلَى: ٧] مُعْتَرِضَةٌ كَمَا عَلِمْتَ. وَهَذَا الْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ فِي الْمَآلِ وَإِنْ كَانَ مَفْهُومُ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ مُغَايِرًا لِمَفْهُومِ التَّيْسِيرِ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ وَمَفْهُومَ الْمَعْطُوفَةِ تَيْسِيرُ الْخَيْرِ لَهُ.

وَالتَّيْسِيرُ: جَعْلُ الْعَمَلِ يَسِيرًا عَلَى عَامِلِهِ.

وَمَفْعُولُ فِعْلِ التَّيْسِيرِ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُجْعَلُ يَسِيرًا، أَيْ غَيْرَ صَعْبٍ وَيُذْكَرُ مَعَ الْمَفْعُولِ الشَّيْءُ الْمَجْعُولُ الْفِعْلَ يَسِيرًا لِأَجْلِهِ مَجْرُورًا بِاللَّامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي [طه: ٢٦] .