وَسَمَّى الْعَرَبُ تِلْكَ الطَّرَائِقَ أَفْلَاكًا وَأَحَدُهَا فَلَكٌ اشْتَقُّوا لَهُ اسْمًا مِنِ اسْمِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، وَهِيَ عُودٌ فِي أَعْلَاهُ خَشَبَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ مُتَبَطِّحَةٌ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ الْكَبِيرَةِ تَلُفُّ الْمَرْأَةُ عَلَيْهَا خِيُوطَ غَزْلِهَا الَّتِي تَفْتِلُهَا لِتُدِيرَهَا بِكَفَّيْهَا فَتَلْتَفُّ عَلَيْهَا خُيُوطُ الْغَزْلِ، فَتَوَهَّمُوا الْفَلَكَ جِسْمًا كُرَوِيًّا وَتَوَهَّمُوا الْكَوَاكِبَ مَوْضُوعَةً عَلَيْهِ تَدُورُ بِدَوْرَتِهِ وَلِذَلِكَ قَدَّرُوا الزَّمَانَ بِأَنَّهُ حَرَكَةُ الْفَلَكِ. وَسَمَّوْا مَا بَيْنَ مَبْدَأِ الْمُدَّتَيْنِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ ابْتَدَأَ دَوْرَةَ الْفَلَكِ. وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ جَارَاهُمْ فِي الِاسْمِ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْلَغُ اللُّغَةِ وَأَصْلَحُ لَهُمْ مَا تَوَهَّمُوا بِقَوْلِهِ:
يَسْبَحُونَ، فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ أَجْرَامُ الْكَوَاكِبِ مُلْتَصِقَةً بِأَفْلَاكِهَا وَلَزِمَ مِنْ كَوْنِهَا سَابِحَةً أَنَّ طَرَائِقَ سَيْرِهَا دَوَائِرُ وَهْمِيَّةٌ لِأَنَّ السَّبْحَ هُنَا سَبَحٌ فِي الْهَوَاءِ لَا فِي الْمَاءِ، وَالْهَوَاءُ لَا تُخَطَّطُ فِيهِ الْخُطُوطُ وَلَا الْأَخَادِيدُ.
وَجِيءَ بِضَمِيرِ يَسْبَحُونَ ضَمِيرَ جَمْعٍ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ شَيْئَانِ هُمَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لِأَنَّ الْمُرَادَ إِفَادَةُ تَعْمِيمِ هَذَا الْحُكْمِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَجَمِيعِ الْكَوَاكِبِ وَهِيَ حَقِيقَةٌ عِلْمِيَّةٌ سَبَقَ بِهَا الْقُرْآنُ.
وَجُمْلَةُ كُلٌّ فِي فَلَكٍ فِيهَا مُحَسِّنُ الطَّرْدِ وَالْعَكْسُ فَإِنَّهَا تُقْرَأُ مِنْ آخِرِهَا كَمَا تَقْرَأُ من أَولهَا.
[٤١، ٤٤]
[سُورَة يس (٣٦) : الْآيَات ٤١ إِلَى ٤٤]
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤)
انْتِقَالٌ مِنْ عَدِّ آيَاتٍ فِي الْأَرْضِ وَفِي السَّمَاءِ إِلَى عَدِّ آيَةٍ فِي الْبَحْرِ تَجْمَعُ بَيْنَ الْعِبْرَةِ وَالْمِنَّةِ وَهِيَ آيَةُ تَسْخِيرِ الْفُلْكِ أَنْ تَسِيرَ عَلَى الْمَاءِ وَتَسْخِيرِ الْمَاءِ لِتَطْفُوَ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يُغْرِقَهَا.
وَقَدْ ذَكَّرَ اللَّهُ النَّاسَ بِآيَةٍ عَظِيمَةٍ اشْتُهِرَتْ حَتَّى كَانَتْ كَالْمُشَاهَدَةِ عِنْدَهُمْ وَهِيَ آيَةُ إِلْهَامِ نُوحٍ صُنْعَ السَّفِينَةِ لِيَحْمِلَ النَّاسَ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَحْمِلَ مِنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ زَوْجَيْنِ لِيُنْجِيَ الْأَنْوَاعَ مِنَ الْهَلَاكِ وَالِاضْمِحْلَالِ بِالْغَرَقِ فِي حَادِثِ الطُّوفَانِ. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حَاصِلَةً لِفَائِدَةِ حَمْلِ أَزْوَاجٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ جُعِلَتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute