للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ فِي ذلِكَ إِلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ آنِفًا ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً [النُّور: ٤٣] فَيَكُونُ الْإِفْرَادُ فِي قَوْلِهِ: لَعِبْرَةً نَاظِرًا إِلَى أَنَّ مَجْمُوعَ ذَلِكَ يُفِيدُ جِنْسَ الْعِبْرَةِ الْجَامِعَةِ لِلْيَقِينِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْكَوْنِ.

وَلَمْ تَرِدِ الْعِبْرَةُ فِي الْقُرْآنِ مُعَرَّفَةً بِلَامِ الْجِنْسِ وَلَا مَذْكُورَةً بِلَفْظ الْجمع.

[٤٥]

[سُورَة النُّور (٢٤) : آيَة ٤٥]

وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥)

لَمَّا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِتَسَاوِي أَجْنَاسِ الْحَيَوَانِ فِي أَصْلِ التَّكْوِينِ مِنْ مَاءِ التَّنَاسُلِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِ تِلْكَ الْأَجْنَاسِ فِي آثَارِ الْخِلْقَةِ وَهُوَ حَالُ الْمَشْيِ إِنَّمَا هُوَ بِاسْتِمْرَارِ ذَلِكَ النِّظَامِ بِدُونِ تَخَلُّفٍ وَكَانَ ذَلِكَ مُحَقَّقًا كَانَ إِفْرَاغُ هَذَا الْمَعْنَى بِتَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ مُفِيدًا لِأَمْرَيْنِ: التَّحَقُّقُ بِالتَّقْدِيمِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ. وَالتَّجَدُّدُ بِكَوْنِ الْخَبَرِ فِعْلِيًّا.

وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ دُونَ الْإِضْمَارِ لِلتَّنْوِيهِ بِهَذَا الْخَلْقِ الْعَجِيبِ.

وَاخْتِيرَ فِعْلُ الْمُضِيِّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَقْرِيرِ التَّقْوَى بِأَنَّ هَذَا شَأْنٌ مُتَقَرَّرٌ مُنْذُ الْقِدَمِ مَعَ عَدَمِ فَوَاتِ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّكْرِيرِ حَيْثُ عُقِّبَ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ: يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشاءُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ بِصِيغَةِ فِعْلِ الْمُضِيِّ وَنَصْبِ كُلَّ. وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ وَاللَّهُ خَالِقُ كُلِّ دَابَّةٍ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَجَرِّ كُلَّ بِإِضَافَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ إِلَى مَفْعُولِهِ.