وَفِي أَمْرِ اللَّهِ رَسُولَهُ بِأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ الْمُؤْمِنِينَ شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهِ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ. وَفِيهِ التَّفْوِيضُ إِلَى رَأْسِ الْأُمَّةِ بِأَنْ يَقْطَعَ أَمْرًا عَنْ أُمَّتِهِ ثِقَةً بِأَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ فِعْلَهُ.
كَمَا
قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَوَازِنَ لَمَّا جَاءُوا تَائِبِينَ وَطَالِبِينَ رَدَّ سَبَايَاهُمْ وَغَنَائِمِهِمُ «اخْتَارُوا أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ السَّبْيَ أَوِ الْأَمْوَالَ»
. فَلَمَّا اخْتَارُوا السَّبْيَ رَجَعَ السَّبْيُ إِلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَسْتَشِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ لِمَنْ يُطَيِّبُ ذَلِكَ لِهَوَازِنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِّهِ فِي أَوَّلِ مَا يَجِيءُ مِنَ السَّبي، فَقَالَ الْمُؤمنِينَ: طَيَّبْنَا ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ، كَمَا يُقَالُ فِي الْوَعِيدِ: سَوف ترى.
[١٢٣]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ١٢٣]
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)
كَلَامٌ جَامع وَهُوَ تذييل لِلسُّورَةِ مُؤْذِنٌ بِخِتَامِهَا، فَهُوَ مِنْ بَرَاعَةِ الْمَقْطَعِ. وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ كَلَامًا عَلَى كَلَامٍ، أَوْ وَاوُ الِاعْتِرَاضِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ.
وَاللَّامُ فِي لِلَّهِ لِلْمِلْكِ وَهُوَ مِلْكُ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ، أَيْ لِلَّهِ مَا غَابَ عَنْ عِلْمِ النَّاسِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَهَذَا كَلَامٌ يَجْمَعُ بِشَارَةَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا وُعِدُوا مِنَ النَّعِيمِ الْمُغَيَّبِ عَنْهُمْ، وَنِذَارَةُ الْمُشْرِكِينَ بِمَا تُوُعِّدُوا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ الْمُغَيَّبِ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورَيْنِ فِي وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ، أَيِ اللَّهُ لَا غَيْرُهُ يَمْلِكُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ. وَإِلَى اللَّهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، وَهُوَ تَعْرِيضٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute