وَجُمْلَةُ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ تَذْيِيلٌ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ جَحَدُوا آيَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ وُضُوحِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ ظَالِمُونَ لَا إِنْصَافَ لَهُمْ وَشَأْنُ الظَّالِمِينَ جَحْدُ الْحَقِّ، يَحْمِلُهُمْ عَلَى جَحْدِهِ هَوَى نُفُوسِهِمْ لِلظُّلْمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [النَّمْل: ١٤] فَهُمْ مُتَوَغِّلُونَ فِي الظُّلْمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَصْفِهِمْ بالكافرين والمبطلين.
[٥٠]
[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٥٠]
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)
لَمَّا ذَكَرَ الْجَاحِدِينَ لِآيَةِ الْقُرْآنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَوَصَفَهُمْ بِالْكَافِرِينَ وَالْمُبْطِلِينَ وَالظَّالِمِينَ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى مَقَالَتِهِمُ النَّاشِئَةِ عَنْ جُحُودِهِمْ، وَذَلِكَ طَلَبُهُمْ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَاتٍ مَرْئِيَّةٍ خَارِقَةٍ لِلْعَادَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا تَصْدِيقًا لِلرَّسُولِ كَمَا خَلَقَ نَاقَةَ صَالِحٍ وَعَصَا مُوسَى، وَهَذَا مِنْ جَلَافَتِهِمْ أَنْ لَا يَتَأَثَّرُوا إِلَّا لِلْأُمُورِ الْمُشَاهَدَةِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَنْتَصِبُ لِلْمُعَانَدَةِ مَعَهُمْ فَهُمْ يَقْتَرِحُونَ عَلَيْهِ مَا يَرْغَبُونَهُ لِيَجْعَلُوا مَا يَسْأَلُونَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ حَدِيثَ النَّوَادِي حَتَّى يَكُونَ مَحْضَرُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِمْ كَمَحْضَرِ الْمُشَعْوِذِينَ وَأَصْحَابِ الْخَنْقَطَرَاتِ. وَقَدْ قَدَّمْتُ بَيَانَ هَذَا الْوَهْمِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَات مِنْ رَبِّهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٣٧] .
وَمَعْنَى عِنْدَ اللَّهِ أَنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْقُدْرَةِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى وَفْقِ إِرَادَتِهِ تَعَالَى فَلِكَوْنِهَا مَنُوطَةً بِإِرَادَتِهِ شُبِّهَتْ بِالشَّيْءِ الْمَحْفُوظِ عِنْدَ مَالِكِهِ.
وَأَفَادَتْ إِنَّمَا قَصْرَ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى صِفَةِ النِّذَارَةِ، أَيِ الرِّسَالَةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إِلَى خَلْقِ الْآيَاتِ أَوِ اقْتِرَاحِهَا عَلَى رَبِّهِ، فَهُوَ قَصْرُ إِفْرَادٍ رَدًّا عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ مِنْ حَقِّ الْمَوْصُوفِ بِالرِّسَالَةِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْخَوَارِقِ الْمُشَاهَدَةِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ أَنَّ التَّبْلِيغَ يَحْتَاجُ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْخَوَارِقِ عَلَى حَسَبِ رَغْبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute