للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَاءَ فِي الْإِصْحَاحِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ الْعَدَدِ أَنَّ قُورَحَ (وَهُوَ قَارُونُ) وَمَنْ مَعَهُ لَمَّا آذَوْا مُوسَى كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَّرَهُمْ مُوسَى بِأَنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُمْ مَزِيَّةَ خِدْمَةِ خَيْمَتِهِ وَلَكِنَّهُ أَعْطَى الْكِهَانَةَ بَنِي هَارُونَ وَلَمْ تُجْدِ فِيهِمُ الْمَوْعِظَةُ غَضِبَ مُوسَى عَلَيْهِمْ وَدَعَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ بِأَنْ يَبْتَعِدُوا مِنْ حَوَالَيْ دَارِ قُورَحَ (قَارُونَ) وَخِيَامِ جَمَاعَتِهِ. وَقَالَ مُوسَى: إِنْ مَاتَ هَؤُلَاءِ كَمَوْتِ عَامَّةِ النَّاسِ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرْسِلْنِي إِلَيْكُمْ وَإِنِ ابْتَدَعَ اللَّهُ بِدْعَةً فَفَتَحَتِ الْأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَكُلَّ مَالَهُمْ فَهَبَطُوا أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدِ ازْدَرَوْا بِالرَّبِّ.

فَلَمَّا فَرَغَ مُوسَى مِنْ كَلَامِهِ انْشَقَّتِ الْأَرْضُ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَكُلَّ مَا كَانَ لَقُورَحَ مَعَ كُلِّ أَمْوَالِهِ وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنَ الْأَرْضِ أَهْلَكَتِ الْمِائَتَيْنِ وَالْخَمْسِينَ رَجُلًا. وَقَدْ كَانَ قَارُونُ مُعْتَزًّا عَلَى مُوسَى بِالطَّائِفَةِ الَّتِي كَانَتْ شَايَعَتْهُ عَلَى مُوسَى وَهُمْ كَثِيرٌ مِنْ رُؤَسَاءِ جَمَاعَةِ اللَّاوِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَعَدَّهُمْ لِلنَّصْرِ عَلَى مُوسَى رَسُولِ اللَّهِ فَخُسِفَ بِهِمْ مَعَهُ وَهُوَ يَرَاهُمْ، وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ كَمَا كَانَ يَحْسَبُ. يُقَالُ: انْتَصَرَ فُلَانٌ، إِذَا حَصَلَ لَهُ النَّصْرُ، أَيْ فَمَا نَصَرَهُ أَنْصَارُهُ وَلَا حَصَلَ لَهُ النَّصْر بِنَفسِهِ.

[٨٢]

[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٨٢]

وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢)

أَصْبَحَ هُنَا بِمَعْنَى صَارَ.

وَ (الْأَمْسُ) مُسْتَعْمَلٌ فِي مُطْلَقِ زَمَنٍ مَضَى قَرِيبًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ. وَ (مَكَانُ) مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي الْحَالَةِ الْمُسْتَقِرِّ فِيهَا صَاحِبُهَا، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الْحَالَةِ أَيْضًا بِالْمَنْزِلَةِ.

وَمَعْنَى يَقُولُونَ أَنَّهُمْ يَجْهَرُونَ بِذَلِكَ نَدَامَةً عَلَى مَا تَمَنَّوْهُ وَرُجُوعًا إِلَى التَّفْوِيضِ لِحِكْمَةِ اللَّهِ فِيمَا يَخْتَارُهُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. وَحُكِيَ مَضْمُونُ مَقَالَاتِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ الْآيَةَ.