للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً.

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ، أَوْ هِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَوْلِ، وَالتَّقْدِيرَانِ مُتَقَارِبَانِ لِأَنَّ الْوَاوَ الِاعْتِرَاضِيَّةَ تَرْجِعُ إِلَى الْعَاطِفَةِ. وَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِالْتِفَاتِ. وَالْمَقْصُودُ لَازِمُ الْخَبَرِ وَهُوَ إِعْلَامُ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِبُطْلَانِ تَحَيُّلَاتِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ نَصِيرًا غَيْرَ اللَّهِ وَقَدْ حَرَمَهُمُ اللَّهُ النَّصْرَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْقِدُوا ضَمَائِرَهُمْ عَلَى نَصْرِ دِينِهِ وَرَسُولِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ: الَّذِي يَتَوَلَّى نَفْعَهُمْ، وَبِالنَّصِيرِ: النَّصِيرُ فِي الْحَرْبِ فَهُوَ أَخَصُّ.

[١٨- ١٩]

[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : الْآيَات ١٨ الى ١٩]

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٩)

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ.

اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ قَوْلِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ [الْأَحْزَاب: ١٧] لِأَنَّ ذَلِكَ يُثِيرُ سُؤَالًا يَهْجِسُ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّهُمْ يُخْفُونَ مَقَاصِدَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَشْعُرُ بِمُرَادِهِمْ مِنَ الِاسْتِئْذَانِ، فَأُمِرَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ أَي: فَالله ينبىء رَسُولَهُ بِكُمْ بِأَنَّ فِعْلَ أُولَئِكَ تَعْوِيقٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ جُعِلَ هَذَا الِاسْتِئْنَافُ تَخَلُّصًا لِذِكْرِ فَرِيقٍ آخَرَ مِنَ الْمُعَوِّقِينَ.

وقَدْ مُفِيدٌ لِلتَّحْقِيقِ لِأَنَّهُمْ لِنِفَاقِهِمْ وَمَرَضِ قُلُوبِهِمْ يَشُكُّونَ فِي لَازِمِ هَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ إِنْبَاءُ اللَّهِ رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِهِمْ، أَوْ لِأَنَّهُمْ لِجَهْلِهِمُ النَّاشِئِ عَنِ الْكُفْرِ يَظُنُّونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ خَفَايَا الْقُلُوبِ. وَذَلِكَ لَيْسَ بِعَجِيبٍ فِي عَقَائِدِ أَهْلِ الْكُفْرِ. فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيُّ كَثِيرَةُ شَحْمِ بُطُونِهِمْ قَلِيلَةُ فِقْهِ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الْآخَرُ: يَسْمَعُ

إِذَا جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا. وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ» [فصلت: ٢٢]