للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَنَحْوَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا [الْبَقَرَة: ١٠٤] وَمِثْلَ بَعْضِ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا: وَمِنَ النَّاسِ [الْبَقَرَة: ٨] .

وَالثَّانِي:

هُوَ حَوَادِثُ تَسَبَّبَتْ عَلَيْهَا تَشْرِيعَاتُ أَحْكَامٍ وَصُوَرُ تِلْكَ الْحَوَادِثِ لَا تُبَيِّنُ مُجْمَلًا وَلَا تُخَالِفُ مَدْلُولَ الْآيَةِ بِوَجْهِ تَخْصِيصٍ أَوْ تَعْمِيمٍ أَوْ تَقْيِيدٍ، وَلَكِنَّهَا إِذَا ذُكِرَتْ أَمْثَالُهَا وُجِدَتْ مُسَاوِيَةً لِمَدْلُولَاتِ الْآيَاتِ النَّازِلَةِ عِنْدَ حُدُوثِهَا، مِثْلَ حَدِيثِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ الَّذِي نَزَلَتْ عَنْهُ آيَةُ اللِّعَانِ، وَمِثْلَ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الَّذِي نَزَلَتْ عَنْهُ آيَةُ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ [الْبَقَرَة: ١٩٦] الْآيَةَ فَقَدْ قَالَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ:

هِيَ لِي خَاصَّةً وَلَكُمْ عَامَّةً، وَمِثْلُ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا نَغْزُو فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ [النِّسَاء: ٣٢] الْآيَةَ.

وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُفِيدُ الْبَحْثُ فِيهِ إِلَّا زِيَادَةَ تَفَهُّمٍ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَتَمْثِيلًا لِحُكْمِهَا، وَلَا يُخْشَى تَوَهُّمُ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِتِلْكَ الْحَادِثَةِ، إِذْ قَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَوْ كَادُوا عَلَى أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُخَصَّصُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَصْلَ التَّشْرِيعِ أَنْ لَا يَكُونَ خَاصًّا.

وَالثَّالِثُ:

هُوَ حَوَادِثُ تَكْثُرُ أَمْثَالُهَا تَخْتَصُّ بِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ لِإِعْلَانِهَا وَبَيَانِ أَحْكَامِهَا وَزَجْرِ مَنْ يَرْتَكِبُهَا فَكَثِيرًا مَا تَجِدُ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرَهُمْ يَقُولُونَ نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنَّ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي تُشِيرُ إِلَيْهَا تِلْكَ الْآيَةُ تِلْكَ الْحَالَةَ الْخَاصَّةَ فَكَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ التَّمْثِيلَ. فَفِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» فِي بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمرَان: ٧٧] أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الْآيَةَ فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا، قَالَ فِيَّ أُنْزِلَتْ، لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ بن عَمٍّ لِي إِلَخْ، فَابْنُ مَسْعُودٍ جَعَلَ الْآيَةَ عَامَّةً لِأَنَّهُ جَعَلَهَا تَصْدِيقًا لِحَدِيثٍ عَامٍّ، وَالْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ظَنَّهَا خَاصَّة بِهِ إِذا قَالَ: «فِيَّ أُنْزِلَتْ» بِصِيغَةِ الْحَصْرِ.

وَمِثْلُ الْآيَاتِ النَّازِلَةِ فِي الْمُنَافِقِينَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ الْمُفْتَتَحَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ [التَّوْبَة: ٥٨] ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنَّا نُسَمِّي سُورَةَ التَّوْبَةِ سُورَةَ الْفَاضِحَةِ. وَمِثْلُ

قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الْبَقَرَة: ١٠٥] فَلَا حَاجَةَ لِبَيَانِ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا أَظْهَرَ بَعْضُ الْيَهُودِ