أَوْ غَيْرِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَصَلَّبُوا فِي دِينِهِمْ.
فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْيَهُودَ عَيَّرُوا النَّفَرَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، إِذَا صَحَّ خَبَرُ إِسْلَامِهِمْ. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي تَرْكِيبِ «مَا لَنَا لَا نَفْعَلُ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٧٥] .
وَجُمْلَةُ وَنَطْمَعُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ مَا لَنا لَا نُؤْمِنُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ، أَيْ كَيْفَ نَتْرُكُ الْإِيمَانَ بِالْحَقِّ وَقَدْ كُنَّا مِنْ قَبْلُ طَامِعِينَ أَنْ يَجْعَلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ مِثْلَ الْحَوَارِيِّينَ، فَكَيْفَ نُفْلِتُ مَا عَنَّ لَنَا مِنْ وَسَائِلِ الْحُصُولِ عَلَى هَذِهِ الْمَنْقَبَةِ الْجَلِيلَةِ. وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ نُؤْمِنُ لِئَلَّا تَكُونَ مَعْمُولَةً لِلنَّفْيِ، إِذْ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى مَا لَنَا لَا نَطْمَعُ، لِأَنَّ الطَّمَعَ فِي الْخَيْرِ لَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ وَلَا يُلَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْتَاجَ صَاحِبُهُ إِلَى الِاحْتِجَاجِ لِنَفْسِهِ بِ (مَا لَنَا لَا نَفْعل) .
[٨٥]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٨٥]
فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ يَقُولُونَ: رَبَّنا آمَنَّا ... [الْمَائِدَة: ٨٣] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَمَعْنَى (أَثَابَهُمْ) أَعْطَاهُمُ الثَّوَابَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٠٣] .
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِما قالُوا لِلسَّبَبِيَّةِ. وَالْمرَاد بالْقَوْل قَول الصَّادِقُ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ، فَهُوَ الْقَوْلُ الْمُطَابِقُ لِاعْتِقَادِ الْقَلْبِ، وَمَا قَالُوهُ هُوَ مَا حُكِيَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ ... [الْمَائِدَة: ٨٣] الْآيَةَ. وَأَثَابَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ عَلَى طَرِيقَةِ بَابِ أَعْطَى، فَ جَنَّاتٍ مَفْعُولُهُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُعْطَى لَهُمْ. وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ إِلَى الثَّوَابِ الْمَأْخُوذ من فَأَثابَهُمُ وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْإِشَارَةَ إِلَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْجَنَّاتُ وَمَا بِهَا مِنَ الْأَنْهَارِ وَخُلُودِهِمْ فِيهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٨] عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute