للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ «مَا أُخِذَ» هُوَ مَالُ الْفِدَاءِ، وَالْخَيْرُ مِنْهُ هُوَ الْأَوْفَرُ مِنَ الْمَالِ بِأَنْ يُيَسِّرَ لَهُمْ أَسْبَابَ الثَّرْوَةِ بِالْعَطَاءِ مِنْ أَمْوَالِ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا. فَقَدْ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ مِنْ فَيْءِ الْبَحْرَيْنِ. وَإِنَّمَا حَمَلْنَا الْخَيْرَ عَلَى الْأَفْضَلِ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَنْ يَكُونَ تَفْضِيلًا فِي خَصَائِصِ النَّوْعِ، وَلِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَذَلِكَ هُوَ خَيْرُ الْآخِرَةِ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْإِيمَانِ، لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ.

وَالتَّذْيِيلُ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِلْإِيمَاءِ إِلَى عِظَمِ مَغْفِرَتِهِ الَّتِي يَغْفِرُ لَهُمْ، لِأَنَّهَا

مَغْفِرَةُ شَدِيدِ الْغُفْرَانِ رَحِيمٍ بِعِبَادِهِ، فَمِثَالُ الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ غَفُورٌ الْمُقْتَضِي قُوَّةَ الْمَغْفِرَةِ وَكَثْرَتَهَا، مُسْتَعْمَلٌ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْمُخَاطَبِينَ وَعِظَمِ الْمَغْفِرَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأَسْرى - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَرَاءٍ بَعْدَ السِّينِ- مِثْلَ أَسْرَى الْأُولَى، وَقَرَأَهَا أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو جَعْفَرٍ مِنَ الْأُسَارَى- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَأَلِفٍ بَعْدَ السِّين وَرَاءه- فورود هما فِي هَذِهِ الْآيَة تفنّن.

[٧١]

[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : آيَة ٧١]

وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)

الضَّمِيرُ فِي يُرِيدُوا عَائِدٌ إِلَى مَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى. وَهَذَا كَلَامٌ خَاطَبَ بِهِ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطْمِئْنَانًا لِنَفْسِهِ، وَلِيُبَلِّغَ مَضْمُونَهُ إِلَى الْأَسْرَى، لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَغْلِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَفِيهِ تَقْرِيرٌ لِلْمِنَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَفَادَهَا قَوْلُهُ: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً [الْأَنْفَال: ٦٩] ، فَكل ذَلِكَ الْإِذْنُ وَالتَّطْيِيبُ بِالتَّهْنِئَةِ وَالطَّمْأَنَةِ بِأَنْ ضُمِنَ لَهُمْ، إِنْ خَانَهُمُ الْأَسْرَى بَعْدَ رُجُوعِهِمْ إِلَى قَوْمِهِمْ وَنَكَثُوا عَهْدَهُمْ وَعَادُوا إِلَى الْقِتَالِ، بِأَنَّ اللَّهَ يُمَكِّنُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ مَرَّةً أُخْرَى، كَمَا أَمْكَنَهُمْ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، أَيْ: أَنْ يَنْوُوا مِنَ الْعَهْدِ بِعَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى الْغَزْوِ خِيَانَتَكَ، وَإِنَّمَا وَعَدُوا بِذَلِكَ لِيَنْجُوا مِنَ الْقَتْلِ وَالرِّقِّ، فَلَا يَضُرُّكُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ ثَانِيَ مَرَّةٍ. وَالْخِيَانَةُ نَقْضُ الْعَهْدِ وَمَا فِي مَعْنَى الْعَهْدِ كَالْأَمَانَةِ.