للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَقَامِ، وَتَقْدِيرُهُ: تَنَبَّهْ فَاعْبُدِ اللَّهَ (أَيْ تَنَبَّهْ لِمَكْرِهِمْ وَلَا تَغْتَرِرْ بِمَا أَمَرُوكَ أَنْ تَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ) فَحُذِفَ فِعْلُ الْأَمْرِ اخْتِصَارًا فَلَمَّا حُذِفَ اسْتُنْكِرَ الِابْتِدَاءُ بِالْفَاءِ فَقَدَّمُوا مَفْعُولَ الْفِعْلِ الْمُوَالِي لَهَا فَكَانَتِ الْفَاءُ مُتَوَسِّطَةً كَمَا هُوَ شَأْنُهَا فِي نَسْجِ الْكَلَامِ وَحَصَلَ مَعَ ذَلِكَ التَّقْدِيمِ حَصْرٌ. وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ والزجاج الْفَاء جزاءية دَالَّةً عَلَى شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، تَقْدِيره: إِنْ كُنْتَ عَاقِلًا مُقَابِلَ قَوْلِهِ: أَيُّهَا الْجاهِلُونَ [الزمر: ٦٤] فَاعْبُدِ اللَّهَ، فَلَمَّا حُذِفَ الشَّرْطُ (أَيْ إِيجَازًا) عَوَّضَ عَنْهُ تَقْدِيمَ الْمَفْعُولِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ. وَعَنِ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ الْفَاءُ مُؤْذِنَةٌ بِفِعْلٍ قَبْلَهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ الْمُوَالِي لَهَا، وَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ أَعْبُدُ فَاعْبُدْ، فَلَمَّا حُذِفَ الْفِعْلُ الْأَوَّلُ حُذِفَ مَفْعُولُ الْفِعْلِ الْمَلْفُوظِ بِهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَفْعُولِ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ.

وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ عَلَى فَاعْبُدْ لِإِفَادَةِ الْقَصْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [١٤] ، أَيْ أَعْبُدُ اللَّهَ لَا غَيْرَهُ، وَهَذَا فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ كَمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ [الزمر: ٦٤] .

وَالشُّكْرُ هُنَا: الْعَمَلُ الصَّالِحُ لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى إِفْرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ فَقَدْ تَمَّحَضَ مَعْنَى الشُّكْرِ هُنَا لِلْعَمَلِ الَّذِي يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى وَالْقَوْلُ عُمُومُ الْخِطَابِ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَنْ قَبْلَهُ أَوْ فِي خُصُوصِهِ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ كَالْقَوْلِ فِي لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ.

[٦٧]

[سُورَة الزمر (٣٩) : آيَة ٦٧]

وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)

لَمَّا جَرَى الْكَلَامُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَأَنَّ لَهُ مَقَالِيدَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ مَلِكُ عَوَالِمِ الدُّنْيَا، وَذَيَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِدَلِيلِ الْوَحْدَانِيَّةِ هُمُ