الَّذِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَصْنَامَ تَشْفَعُ لَهُمْ وَتَدْفَعُ عَنْهُمُ الْكَوَارِثَ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ، أَيْ كَمَا لَمْ تَنْصُرِ الْأَصْنَامُ عَبَدَتَهَا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ كَذَلِكَ لَا تَنْصُرُكُمْ أَصْنَامُكُمْ.
وَضَمِيرُ يَجِدُوا عَائِدٌ إِلَى الظَّالِمِينَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا [نوح: ٢٤] وَكَذَلِكَ ضَمِيرُ لَهُمْ.
وَالْمَعْنَى: فَلَمْ يَجِدُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَنْصَارًا دُونَ عَذَاب الله.
[٢٦- ٢٧]
[سُورَة نوح (٧١) : الْآيَات ٢٦ إِلَى ٢٧]
وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧)
عَطْفٌ عَلَى قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي [نوح: ٢١] أَعْقَبَهُ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ بِالْإِهْلَاكِ وَالِاسْتِئْصَالِ بِأَنْ لَا يُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا، أَيْ لَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا عَلَى الْأَرْضِ.
وَأُعِيدَ فِعْلُ قالَ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَ أَقْوَالِ نُوحٍ بِجُمْلَةِ مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ [نوح: ٢٥] إِلَخْ، أَوْ بِهَا وَبِجُمْلَةِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا [نوح: ٢٤] .
وَقُرِنَتْ بِوَاوِ الْعَطْفِ لِتَكُونَ مُسْتَقِلَّةً فَلَا تَتْبَعُ جُمْلَةَ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ دَعْوَةَ نُوحٍ حَصَلَتْ بَعْدَ شِكَايَتِهِ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُمْ عَصَوْنِي.
ودَيَّاراً: اسْمٌ مَخْصُوصٌ بِالْوُقُوعِ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَهُوَ اسْمٌ بِوَزْنِ فَيْعَالٍ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمِ الدَّارِ فَعَيْنُهُ وَاوٌ لِأَنَّ عَيْنَ دَارٍ مُقَدَّرَةٌ وَاوًا، فَأَصْلُ دَيَّارٍ: دَيْوَارٍ فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَاتَّصَلَتَا وَسَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ الزَّائِدَةِ كَمَا فُعِلَ بِسَيِّدٍ وَمَيِّتٍ، وَمَعْنَى دَيَّارٍ: مَنْ يَحُلُّ بِدَارِ الْقَوْمِ كِنَايَةً عَنْ إِنْسَانٍ.
وَنَظِيرُ (دَيَّارٍ) فِي الْعُمُومِ وَالْوُقُوعِ فِي النَّفْيِ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَبْلَغَهَا ابْنُ السِّكِّيتِ فِي «إِصْلَاحِ الْمَنْطِقِ» إِلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَزَادَ كُرَاعُ النَّمْلِ سَبْعَةً فَبَلَغَتِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ اسماء وَزَادَ ابْنُ مَالِكٍ فِي «التَّسْهِيلِ» سِتَّةً فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ.
وَمِنْ أَشْهَرِهَا: آحَدٌ، وَدَيَّارٌ، وَعَرِّيبٌ، وَكُلُّهَا بِمَعْنَى الْإِنْسَانِ، وَلَفْظُ (بُدَّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمُفَارَقَةُ.