[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٠٠]
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (١٠٠)
عُطِفَتْ عَلَى جُمْلَةِ: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى [الْأَعْرَاف: ٩٧] لِاشْتِرَاكِ مَضْمُونِ الْجُمْلَتَيْنِ فِي الِاسْتِفْهَامِ التَّعْجِيبِيِّ، فَانْتَقَلَ عَنِ التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ الَّذِينَ مَضَوْا إِلَى التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ الْأُمَّةِ الْحَاضِرَةِ، وَهِيَ الْأُمَّةُ الْعَرَبِيَّةُ الَّذِينَ وَرِثُوا دِيَارَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَسَكَنُوهَا: مِثْلُ أَهْلِ
نَجْرَانَ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَمَنْ سَكَنُوا دِيَارَ ثَمُودَ مِثْلُ بَلِيٍّ، وَكَعْبٍ، وَالضَّجَاغِمِ، وَبَهْرَاءَ، وَمَنْ سَكَنُوا دِيَارَ مَدْيَنَ مِثْلُ جُهَيْنَةَ، وَجَرْمٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَارُوا قَبَائِلَ عَظِيمَةً فَنَالُوا السِّيَادَةَ عَلَى الْقَبَائِلِ: مثل قُرَيْش، وطي، وَتَمِيمٍ، وَهُذَيْلٍ. فَالْمَوْصُولُ بِمَنْزِلَةِ لَامِ التَّعْرِيفِ الْعَهْدِيِّ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِالَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ كُلُّ أُمَّةٍ خَلَفَتْ أُمَّةً قَبْلَهَا، فَيَشْمَلُ عَادًا وَثَمُودًا، فَقَدْ قَالَ لِكُلٍّ نَبِيُّهُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ [الْأَعْرَاف: ٧٤] إِلَخْ وَلَكِنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ مَقْصُودُونَ فِي هَذَا ابْتِدَاءً. فَالْمَوْصُولُ بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْجِنْسِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَهْدِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ. مِثْلُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ:
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى [الْأَعْرَاف: ٩٧] تَعْجِيبًا مِنْ شِدَّةِ ضَلَالَتِهِمْ إِذْ عُدِمُوا الِاهْتِدَاءَ وَالِاتِّعَاظَ بِحَالِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَنَسُوا أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِئْصَالِهِمْ إِذَا شَاءَهُ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَرْضِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، أَيْ يَرِثُونَ أَيَّ أَرْضٍ كَانَتْ مَنَازِلَ لِقَوْمٍ قَبْلَهُمْ، وَهَذَا إِطْلَاقٌ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ هَذِهِ أَرْضُ طَيِّءٍ، وَفِي حَدِيثِ الْجِنَازَةِ «مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ» أَيْ مِنَ السُّكَّانِ الْقَاطِنِينَ بِأَرْضِهِمْ لَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْفَاتِحِينَ فَالْأَرْضُ بِهَذَا الْمَعْنَى اسْمُ جِنْسٍ صَادِقٌ عَلَى شَائِعٍ مُتَعَدِّدٍ، فَتَعْرِيفُهُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَبِهَذَا الْإِطْلَاقِ جُمِعَتْ عَلَى أَرضين، فَالْمَعْنى: أَو لم يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ أَرْضًا مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا.
وَالْإِرْثُ: مَصِيرُ مَالِ الْمَيِّتِ إِلَى مَنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مُمَاثَلَةِ الْحَيِّ مَيِّتًا فِي صِفَاتٍ كَانَتْ لَهُ، من عزّأ وسيادة، كَمَا فُسِّرَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَة عَن زَكَرِيَّاء فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي [مَرْيَم: ٥، ٦] أَيْ يَخْلُفُنِي فِي النُّبُوءَةِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْقَدْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute