للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَسَائِلِهَا وَتَعْجِيلًا لِلْبِشَارَةِ بِهَا. فَأَمَّا فِي دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ فَقَدْ رُتِّبَتِ الْجُمَلُ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ حُصُولِ مَا تَضَمَّنَتْهُ فِي الْخَارِجِ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ التَّخَالُفِ مِنَ التَّفَنُّنِ.

وَقَوْلُهُ: وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ تَعْمِيمٌ لِكُلِّ مَا كَانَ غَيْرَ شَرِيعَةٍ وَلَا حِكْمَةٍ مِنْ مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ وَأَحْوَالِ سِيَاسَةِ الدُّوَلِ وَأَحْوَالِ الْآخِرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَإِنَّمَا أَعَادَ قَوْلَهُ: وَيُعَلِّمُكُمُ مَعَ صِحَّةِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْعَطْفِ تَنْصِيصًا عَلَى الْمُغَايَرَةِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ: مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ هُوَ الْكِتَابُ وَالْحِكْمَةُ، وَتَنْصِيصًا عَلَى أَنَّ: مَا لَمْ تَكُونُوا مَفْعُولا لَا مُبْتَدَأٌ حَتَّى لَا يَتَرَقَّبَ السَّامِعُ خَبَرًا لَهُ فَيَضِلُّ فَهْمُهُ فِي ذَلِكَ الترقب، وَاعْلَم أأن حَرْفَ الْعَطْفِ إِذَا جِيءَ مَعَه بِإِعَادَة عَامل كَانَ عَاطِفُهُ عَامِلًا عَلَى مِثْلِهِ فَصَارَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ لَكِنَّ الْعَاطِفَ حِينَئِذٍ أَشْبَهُ بِالْمُؤَكِّدِ لمدلول الْعَامِل.

[١٥٢]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٥٢]

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢)

الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَاطِفَةُ جُمْلَةِ الْأَمْرِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَشُكْرِهِ عَلَى جُمَلِ النِّعَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَيْ إِذْ قَدْ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ بِهَاتِهِ النِّعَمِ فَأَنَا آمُرُكُمْ بِذِكْرِي.

وَقَوْلُهُ: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ فِعْلَانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الذِّكْرِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَمِنَ الذُّكْرِ بِضَمِّهَا وَالْكُلُّ مَأْمُورٌ بِهِ لِأَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِتَذَكُّرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْأَفْعَالِ لِنَذْكُرَ أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ- قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمرَان: ١٣٥] وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ-، وَمَأْمُورُونَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَلْسِنَتِنَا فِي جُمَلٍ تَدُلُّ عَلَى حَمْدِهِ وَتَقْدِيسِهِ

وَالدَّعْوَةِ إِلَى طَاعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ،

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ»

. وَالذِّكْرُ فِي قَوْلِهِ: أَذْكُرْكُمْ يَجِيءُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ فِي قَوْله:

فَاذْكُرُونِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الذِّكْرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَالتَّقْدِيرُ اذْكُرُوا عَظَمَتِي وَصِفَاتِي وَثَنَائِي وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، أَوِ اذْكُرُوا نِعَمِي وَمَحَامِدِي، وَهُوَ تَقْدِيرٌ مِنْ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ، وَأَمَّا أَذْكُرْكُمْ فَهُوَ مَجَازٌ، أَيْ أُعَامِلْكُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ بِزِيَادَةِ النِّعَمِ وَالنَّصْرِ وَالْعِنَايَةِ فِي الدُّنْيَا، وَبِالثَّوَابِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ أَخْلُقْ مَا يَفْهَمُ مِنْهُ النَّاسُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَفِي الْأَرْضِ فَضْلَكُمْ وَالرِّضَى عَنْكُمْ، نَحْوَ قَوْلِهِ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمرَان: ١١٠] ، وَحُسْنَ مَصِيرِكُمْ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّ الذِّكْرَ بِمَعْنَيَيْهِ الْحَقِيقِيَّيْنِ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ إِنَّ تَعْدِيَتَهُ لِلْمَفْعُولِ أَيْضًا عَلَى طَرِيقِ دَلَالَةِ