للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ: إِذَا يَسْرِي بِيَاءٍ بَعْدَ الرَّاءِ فِي الْوَصْلِ عَلَى الْأَصْلِ وَبِحَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ لِرَعْيِ بَقِيَّةِ الْفَوَاصِلِ: «الْفَجْرِ، عَشْرٍ، وَالْوَتْرِ، حِجْرٍ» فَفَوَاصِلُ الْقُرْآنِ كَالْأَسْجَاعِ فِي النَّثْرِ وَالْأَسْجَاعُ تُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْقَوَافِي، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَلَيْسَ إِثْبَاتُ الْيَاءِ فِي الْوَقْفِ بِأَحْسَنَ مِنَ الْحَذْفِ، وَجَمِيعُ مَا لَا يَحْذِفُ وَمَا يُخْتَارُ فِيهِ أَنْ لَا يُحْذَفَ (نَحْوَ الْقَاضِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ) يُحْذَفُ إِذَا كَانَ فِي قَافِيَةٍ أَوْ فَاصِلَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَاصِلَةً فَالْأَحْسَنُ إِثْبَاتُ الْيَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ بِثُبُوتِ الْيَاءِ بَعْدَ الرَّاءِ فِي الْوَصْلِ وَفِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَصْلِ.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِدُونِ يَاء وَصْلًا وَوَقْفًا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ يُوَافِقُهَا رَسْمُ الْمُصْحَفِ إِيَّاهَا بِدُونِ يَاءٍ، وَالَّذِينَ أَثْبَتُوا الْيَاءَ فِي الْوَصْل وَالْوَقْف اعْتَمَدُوا الرِّوَايَةَ وَاعْتَبَرُوا رَسْمَ الْمُصْحَفِ سُنَّةً أَوِ اعْتِدَادًا بِأَنَّ الرَّسْمَ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَقْفِ.

وَأَمَّا نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ فَلَا يُوهِنُ رَسْمُ الْمُصْحَفِ رِوَايَتَهُمْ لِأَنَّ رَسْمَ الْمُصْحَفِ جَاءَ عَلَى مُرَاعَاةِ حَالِ الْوَقْفِ وَمُرَاعَاةُ الْوَقْفِ تَكْثُرُ فِي كيفيات الرَّسْم.

[٥]

[سُورَة الْفجْر (٨٩) : آيَة ٥]

هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥)

جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْقَسَمِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ جَوَابِهِ أَوْ دَلِيلِ جَوَابِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [الْوَاقِعَة: ٧٦] .

وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ، وَكَوْنُهُ بِحَرْفِ هَلْ لِأَنَّ أَصْلَ هَلْ أَنْ تَدُلَّ عَلَى التَّحْقِيقِ إِذْ هِيَ بِمَعْنَى (قَدْ) .

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ إِلَى الْمَذْكُورِ مِمَّا أَقْسَمَ بِهِ، أَيْ هَل فِي الْقسم بذلك قَسَمٌ.

وَتَنْكِيرُ قَسَمٌ لِلتَّعْظِيمِ أَيْ قَسَمٌ كَافٍ وَمُقْنِعٌ لِلْمُقْسَمِ لَهُ، إِذَا كَانَ عَاقِلًا أَنْ يَتَدَبَّرَ بِعَقْلِهِ.

فَالْمَعْنَى: هَلْ فِي ذَلِكَ تَحْقِيقٌ لِمَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ لِلسَّامِعِ الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ صَاحِبُ حِجْرٍ.

وَالْحِجْرُ: الْعَقْلُ لِأَنَّهُ يَحْجُرُ صَاحِبَهُ عَنِ ارْتِكَابِ مَا لَا يَنْبَغِي، كَمَا سُمِّيَ عَقْلًا لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَنِ التَّهَافُتِ كَمَا يَعْقِلُ الْعِقَالُ الْبَعِيرَ عَنِ الضَّلَالِ.