للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَعْجِيلَ الْعِقَابِ بِأَنْ يَكُونُوا سَمَّوُا الْحَظَّ مِنَ الْعِقَابِ قِطًّا عَلَى طَرِيقِ التَّهَكُّمِ، كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ

كُلْثُومٍ إِذْ جَعَلَ الْقِتَالَ قِرًى:

قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنَا قِرَاكُمْ ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُونَا

فَيَكُونُونَ قَدْ أَدْمَجُوا تَهَكُّمًا فِي تَهَكُّمٍ إِغْرَاقًا فِي التَّهَكُّمِ.

وَتَسْمِيَتُهُمْ يَوْمِ الْحِسابِ أَيْضًا مِنَ التَّهَكُّمِ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤمنُونَ بِالْحِسَابِ.

[١٧- ٢٠]

[سُورَة ص (٣٨) : الْآيَات ١٧ إِلَى ٢٠]

اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠)

أعقب حِكَايَةُ أَقْوَالِهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا ساحِرٌ كَذَّابٌ [ص: ٤] إِلَى هُنَا، بِأَمْرِ الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ عَلَى أَقوَالِهِمْ إِذْ كَانَ جَمِيعُهَا أَذًى: إِمَّا صَرِيحًا كَمَا قَالُوا: ساحِرٌ كَذَّابٌ وَقَالُوا: إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص: ٧] إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ [ص: ٦] ، وَإِمَّا ضِمْنًا وَذَلِكَ مَا فِي سَائِرِ أَقْوَالِهِمْ مِنْ إِنْكَارِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِقَوْلِهِمْ: رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا [ص: ١٦] مِنْ إِثْبَاتِ أَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ، وَيَشْمَلُ مَا يَقُولُونَهُ مِمَّا لَمْ يُحْكَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ.

وَقَوْلُهُ: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ إِلَى آخِرِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ بِأَنْ أَتْبَعَ أَمْرَهُ بِالصَّبْرِ وَبِالِائْتِسَاءِ بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ فِيمَا لَقُوهُ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ كَانَتْ لَهُمْ عَاقِبَةُ النَّصْرِ وَكَشْفُ الْكَرْبِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى مَجْمُوعِ مَا تَقَدَّمَ عطف الْقِصَّة على الْقِصَّةِ وَالْغَرَضُ هُوَ هُوَ. وَابْتُدِئَ بِذِكْرِ دَاوُدَ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُ مُلْكًا وَسُلْطَانًا لَمْ يَكُنْ لِآبَائِهِ فَفِي ذِكْرِهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ شَأْن مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَصِيرُ إِلَى الْعِزَّةِ وَالسُّلْطَانِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَلَفٌ وَلَا جُنْدٌ فَقَدْ كَانَ حَال النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَ بِحَالِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَأُدْمِجَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ الْإِيمَاءُ إِلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الضَّجَرِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتِّقَاءِ