وَجُمْلَةُ هُمْ فِيها خالِدُونَ فِي مَوْقِعِ الْبَيَانِ لِجُمْلَةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ لِأَنَّ الْخُلُودَ فِي الْمَكَانِ هُوَ أَحَقُّ الْأَحْوَالِ بِإِطْلَاقِ وَصْفِ الصَّاحِبِ عَلَى الْحَالِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ إِذِ الْأَمْكِنَةُ لَا تُقْصَدُ إِلَّا لِأَجْلِ الْحُلُولِ فِيهَا فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً لِبَيَانِ مَا قَبْلَهَا فَمَنْزِلَتُهَا مَنْزِلَةُ عَطْفِ الْبَيَانِ، وَلَا تُعْرَبُ فِي مَوْضِعِ خَبَرٍ ثَانٍ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٨٢] فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. فَعُدْ إِلَيْهِ وَزِدْ إِلَيْهِ مَا هُنَا.
[٢٤]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ٢٤]
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤)
بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ حَالِ الْمُشْرِكِينَ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَبَيْنَ حَالِ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي مَنَازِلِ الْآخِرَةِ أُعْقِبَ بِبَيَانِ التَّنْظِيرِ بَيْنَ حَالَيْ الْفَرِيقَيْنِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِطَرِيقَةِ تَمْثِيلِ مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنْ ذَمٍّ وَمَدْحٍ.
فَالْجُمْلَةُ فَذْلَكَةٌ لِلْكَلَامِ وَتَحْصِيلٌ لَهُ وَلِلتَّحْذِيرِ مِنْ مُوَاقَعَةِ سَبَبِهِ.
وَالْمَثَلُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْحَالَةُ وَالصِّفَةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ الْآيَةَ مِنْ سُورَةِ الرَّعْدِ [٣٥] ، أَيْ حَالَةُ الْفَرِيقَيْنِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ تُشْبِهُ حَالَ الْأَعْمَى الْأَصَمِّ مِنْ جِهَةٍ وَحَالَ الْبَصِيرِ السَّمِيعِ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى، فَالْكَلَامُ تَشْبِيهٌ وَلَيْسَ اسْتِعَارَةً لِوُجُودِ كَافِ التَّشْبِيهِ وَهُوَ أَيْضًا تَشْبِيهٌ مُفْرَدٌ لَا مُرَكَّبٌ.
وَالْفَرِيقَانِ هُمَا الْمَعْهُودَانِ فِي الذِّكْرِ فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَهَمَا فَرِيقُ الْمُشْرِكِينَ وَفَرِيقُ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ قَدْ سَبَقَ مَا يُؤْذِنُ بِهَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً [هود: ١٨] . ثُمَّ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ [هود:
٢٣] الْآيَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute