وَالْفَرِيقُ: الْجَمَاعَةُ الَّتِي تُفَارِقُ، أَيْ يُخَالِفُ حَالُهَا حَالَ جَمَاعَةٍ أُخْرَى فِي عَمَلٍ أَوْ نِحْلَةٍ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٨١] .
شَبَّهَ حَالَ فَرِيقِ الْكُفَّارِ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالنَّظَرِ فِي دَلَائِلِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ الْوَاضِحَةِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ بِحَالِ الْأَعْمَى، وَشُبِّهُوا فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِأَدِلَّةِ الْقُرْآنِ بِحَالِ مَنْ هُوَ أَصَمُّ.
وَشَبَّهَ حَالَ فَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ فِي ضِدِّ ذَلِكَ بِحَالِ مَنْ كَانَ سَلِيمَ الْبَصَرِ، سَلِيمَ السَّمْعِ فَهُوَ فِي هُدًى وَيَقِينٍ مِنْ مُدْرَكَاتِهِ.
وَتَرْتِيبُ الْحَالَيْنِ الْمُشَبَّهِ بِهِمَا فِي الذِّكْرِ عَلَى تَرْتِيبِ ذِكْرِ الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا تقدم ينبىء بِالْمُرَادِ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى طَرِيقَةِ النَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. وَالتَّرْتِيبُ فِي اللَّفِّ وَالنَّشْرِ هُوَ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ.
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُشَبَّهِينَ بالأعمى والأصم هُوَ الْفَرِيقُ الْمَقُولُ فِيهِمْ مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ [هود: ٢٠] .
وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَالْأَصَمِّ للْعَطْف على كَالْأَعْمى عَطَفَ أَحَدَ الْمُشَبَّهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَكَذَلِكَ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَالسَّمِيعِ لِلْعَطْفِ عَلَى الْبَصِيرِ.
وَأَمَّا الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَالْبَصِيرِ فَهِيَ لِعِطْفِ التَّشْبِيهِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ النَّشْرُ بَعْدَ اللَّفِّ. فَهِيَ لِعَطْفِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَالْعَطْفُ بِهَا لِلتَّقْسِيمِ وَالْقَرِينَةُ وَاضِحَةٌ.
وَقَدْ يَظُنُّ النَّاظِرُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ تَرْكُ عَطْفِ صِفَةِ الْأَصَمِّ على صفة كَالْأَعْمى كَمَا لَمْ يُعْطَفْ نَظِيرَاهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٨] ظَنًّا بِأَنَّ مَوْرِدَ الْآيَتَيْنِ سَوَاءٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُ مَنْ جَمَعُوا بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ. وَذَلِكَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْكَشَّافِ. وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُ حَوَاشِي الْكَشَّافِ بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute