الْعَطْفَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَنْزِيلِ تَغَايُرِ الصِّفَاتِ مَنْزِلَةَ تَغَايُرِ الذَّوَاتِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا لِهَذَا التَّنْزِيلِ نُكْتَةً وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنه مُجَرّد استمال فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِ ابْنِ زَيَّابَةَ:
يَا لهف زيابة للحارب ال ... صَابِحِ فَالْغَانِمِ فَالْآيِبِ
وَالْوَجْهُ عِنْدِي فِي الدَّاعِي إِلَى عَطْفِ صِفَةِ الْأَصَمِّ على صفة كَالْأَعْمى أَنَّهُ مَلْحُوظٌ فِيهِ أَنَّ لِفَرِيقِ الْكُفَّارِ حَالَيْنِ كُلُّ حَالٍ مِنْهُمَا جَدِيرٌ بِتَشْبِيهِهِ بِصِفَةٍ مِنْ تَيْنَكَ الصِّفَتَيْنِ عَلَى حِدَةٍ، فَهُمْ يُشَبِّهُونَ الْأَعْمَى فِي عَدَمِ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الدَّلَائِلِ الَّتِي طَرِيقُ إِدْرَاكِهَا الْبَصَرَ، ويشبهون الْأَصَمَّ فِي عَدَمِ فَهْمِ الْمَوَاعِظِ النَّافِعَةِ الَّتِي طَرِيق فهما السَّمْعُ، فَهُمْ فِي حَالَتَيْنِ كُلُّ حَالٍ مِنْهُمَا مُشَبَّهٌ بِهِ، فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ تَشْبِيهَانِ مُفَرَّقَانِ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ... لَدَى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ وَالْحَشَفُ الْبَالِي
وَالَّذِي فِي الْآيَةِ تَشْبِيهُ مَعْقُولَيْنِ بِمَحْسُوسَيْنِ، وَاعْتِبَارُ كُلِّ حَالٍ مِنْ حَالَيْ فَرِيقِ الْكُفَّارِ لَا مَحِيدَ عَنْهُ لِأَنَّ حُصُولَ أَحَدِ الْحَالَيْنِ كَافٍ فِي جَرِّ الضَّلَالِ إِلَيْهِمْ بَلْهَ اجْتِمَاعُهُمَا، إِذِ الْمُشَبَّهُ بِهِمَا أَمْرٌ عَدَمِيٌّ فَهُوَ فِي قُوَّةِ الْمَنْفِيِّ.
وَأَمَّا الدَّاعِي إِلَى الْعَطْفِ فِي صِفَتَيِ الْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ بِالنِّسْبَةِ لِحَالِ فَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ فَبِخِلَافِ مَا قَرَّرْنَا فِي حَالِ فَرِيقِ الْكَافِرِينَ لِأَنَّ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ تُشْبِهُ حَالَةَ مَجْمُوعِ صِفَتَيِ الْبَصِيرِ السَّمِيعِ، إِذِ الِاهْتِدَاءُ يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ فَلَوْ ثَبَتَتْ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَانْتَفَتِ الْأُخْرَى لَمْ يَحْصُلْ الِاهْتِدَاءُ إِذِ الْأَمْرَانِ الْمُشَبَّهُ بِهِمَا أَمْرَانِ وُجُودِيَّانِ، فَهُمَا فِي قُوَّةِ الْإِثْبَاتِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْكَوْنَ الدَّاعِيَ إِلَى عَطْفِ السَّمِيعِ عَلَى الْبَصِيرِ فِي تَشْبِيهِ حَالِ فَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الْمُزَاوَجَةُ فِي الْعِبَارَةِ لِتَكُونَ الْعِبَارَةُ عَنْ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ مُمَاثِلَةً لِلْعِبَارَةِ عَنْ حَالِ الْكَافِرِينَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ، وَالْمُزَاوَجَةُ مِنْ مُحَسِّنَاتِ الْكَلَامِ وَمَرْجِعُهَا إِلَى فَصَاحَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute