[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٩٠]
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠)
مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً [يُونُس: ٨٧] عَطَفَ الْغَرَضَ عَلَى التَّمْهِيدِ، أَيْ، أَمَرْنَاهُمَا بِاتِّخَاذِ تِلْكَ الْبُيُوتِ تَهْيِئَةً لِلسَّفَرِ وَمُجَاوَزَةِ الْبَحْرِ.
وَجَاوَزْنَا، أَيْ قَطَعْنَا بِهِمُ الْبَحْرَ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، أَيْ أَقْطَعْنَاهُمُ الْبَحْرَ بِمَعْنَى جَعَلْنَاهُمْ قَاطِعِينَ الْبَحْرَ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٣٨] . وَمُجَاوَزَتُهُمُ الْبَحْر تَقْتَضِي خَوْضَهُمْ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جعل لَهُم طائق فِي الْبَحْرِ يَمرونَ مِنْهَا.
وفَأَتْبَعَهُمْ بِمَعْنَى لَحِقَهُمْ. يُقَالُ: تَبِعَهُ فَأَتْبَعُهُ إِذَا سَارَ خَلْفَهُ فَأَدْرَكَهُ. وَمِنْهُ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ [الصافات: ١٠] . وَقِيلَ: أَتْبَعَ مُرَادِفُ تَبِعَ.
وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ، مَصْدَرُ بَغَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ فِي الْأَعْرَافِ [٣٣] .
وَالْعَدْوُ: مَصْدَرُ عَدَا. وَهُوَ تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي الظُّلْمِ، وَهُوَ مَسُوقٌ لِتَأْكِيدِ الْبَغْيِ. وَإِنَّمَا
عُطِفَ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمَعْنَى فِي الظُّلْمِ بِاعْتِبَارِ اشْتِقَاقِ فِعْلِ عَدَا.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ فِرْعَوْنَ دخل الْبَحْر يقتصّى آثَارَهُمْ فَسَارَ فِي تِلْكَ الطَّرَائِقِ يُرِيدُ الْإِحَاطَةَ بِهِمْ وَمَنْعَهُمْ مِنَ السَّفَرِ، وَإِنَّمَا كَانَ اتِّبَاعُهُ إِيَّاهُمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا إِذْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَائِبَةُ حَقٍّ، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرَادُوا مُفَارَقَةَ بِلَادِ فِرْعَوْنَ وَلَيْسَتْ مُفَارَقَةُ أَحَدٍ بَلَدَهُ مَحْظُورَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي الْبَقَاءِ، فَإِنَّ لِذِي الْوَطَنِ حَقًّا فِي الْإِقَامَةِ فِي وَطَنِهِ فَإِذَا رَامَ مُغَادَرَةَ وَطَنِهِ فَقَدْ تَخَلَّى عَنْ حَقٍّ لَهُ، وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْ حَقِّهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute