للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْعَهْدُ: الْتِزَامٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى شَيْءٍ يُعَامِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ الْآخَرَ بِهِ.

وَسمي عهدا لِأَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ بعد اللَّهِ، أَيْ بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ رَقِيبًا عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ لَا يُفِيتُهُمُ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى تَخَلُّفِهِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ

فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٧] .

وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ مِنْ أَعْظَمِ الْخُلُقِ الْكَرِيمِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى شَرَفِ النَّفْسِ وَقُوَّةِ الْعَزِيمَةِ، فَإِنَّ الْمَرْأَيْنِ قَدْ يَلْتَزِمُ كُلُّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ عَمَلًا عَظِيمًا فَيُصَادِفُ أَنْ يَتَوَجَّهَ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الِالْتِزَامِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَيَصْعُبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَشَّمَ عَمَلًا لِنَفْعِ غَيْرِهِ بِدُونِ مُقَابِلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ فَتُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ الْخَتْرَ بِالْعَهْدِ شُحًّا أَوْ خَوْرًا فِي الْعَزِيمَةِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ عَلَامَةً عَلَى عِظَمٍ النَّفْسِ قَالَ تَعَالَى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا [الْإِسْرَاء: ٣٤] .

وَالرَّعْيُ: مُرَاقَبَةُ شَيْءٍ بِحِفْظِهِ مِنَ التَّلَاشِي وَبِإِصْلَاحِ مَا يَفْسَدُ مِنْهُ، فَمِنْهُ رَعْيُ الْمَاشِيَةِ، وَمِنْهُ رَعْيُ النَّاسِ، وَمِنْهُ أُطْلِقَتِ الْمُرَاعَاةُ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ ذُو الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ مِنْ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ. وَالْقَائِمُ بِالرَّعْيِ رَاعٍ.

فَرَعْيُ الْأَمَانَةِ: حِفْظُهَا، وَلَمَّا كَانَ الْحِفْظُ مَقْصُودًا لِأَجْلِ صَاحِبِهَا كَانَ رَدُّهَا إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْ حِفْظِهَا. وَرَعْيُ الْعَهْدِ مَجَازٌ، أَيْ مُلَاحَظَتُهُ عِنْدَ كُلِّ مُنَاسَبَةٍ.

وَالْقَوْلُ فِي تَقْدِيمٍ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ عَلَى راعُونَ كالقول فِي نظايره السَّابِقَةِ، وَكَذَلِكَ إِعَادَةُ اسْمِ الْمَوْصُولِ.

وَالْجَمْعُ بَيْنَ رَعْيِ الْأَمَانَاتِ وَرَعْيِ الْعَهْدِ لِأَنَّ الْعَهْدَ كَالْأَمَانَةِ لِأَنَّ الَّذِي عَاهَدَكَ قَدِ ائْتَمَنَكَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الْعَهْدُ.

وَذَكَرَهُمَا عَقِبَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ أَمَانَةُ اللَّهِ عِنْدَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْمَالِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ: حَقَّ اللَّهِ، وَحَقَّ الْمَالِ، وَحقّ الْمِسْكِين.

[٩]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ٩]

وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ