للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا فِي الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ مِنْ شِدَّةِ الْعِنَايَةِ بِأَحْكَامِ الْمَأْكُولَاتِ. وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَقَوْلُهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ جَاءَ بِالْمَوْصُولِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى عِلَّةِ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى، أَيْ لِأَنَّ شَأْنَ الْإِيمَانِ أَنْ يَقْتَضِيَ التَّقْوَى، فَلَمَّا آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَاهْتَدَيْتُمْ إِلَى الْإِيمَانِ فَكَمِّلُوهُ بِالتَّقْوَى. رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لَقِيَ الْفَرَزْدَقَ فِي جَنَازَةٍ، وَكَانَا عِنْدَ الْقَبْرِ، فَقَالَ الْحَسَنُ لِلْفَرَزْدَقِ: مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا. يَعْنِي الْقَبْرَ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله كَذَا كَذَا سَنَةً. فَقَالَ الْحَسَنُ: هَذَا الْعَمُودُ، فَأَيْنَ الْأَطْنَاب.

[٨٩]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٨٩]

لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ نَشَأَ بِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ: لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [الْمَائِدَة: ٨٧] لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَقَعُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ بِأَيْمَانٍ مَعْزُومَةٍ، أَوْ بِأَيْمَانٍ تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ لِقَصْدِ تَأْكِيدِ الْكَلَامِ، كَأَنْ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا آكُلُ كَذَا، أَوْ تَجْرِي بِسَبَبِ غَضَبٍ. وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ مَعَ الْآيَةِ السَّابِقَةِ فَلَا حَاجَةَ لِإِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ لِذِكْرِ هَذَا بَعْدَ مَا قَبْلَهُ. رَوَى الطَّبَرِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [الْمَائِدَة: ٨٧] ونهاهم النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا عَزَمُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَيْمَانِنَا الَّتِي حَلَفْنَاهَا عَلَيْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ الْآيَةَ.