الْمَوْضِعِ فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِنَسْخِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ فَتَحْلِيفُ شَاهِدَيِ الْوَصِيَّةِ الْكَافِرَيْنِ مَنْسُوخٌ تَبَعًا، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَأَمَّا الَّذِينَ جَعَلُوهُ مُحْكَمًا فَقَدِ اخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْيَمِينَ بِشَاهِدَيِ الْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَبَرَ بِعِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ تَحْلِيفِ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَاسَ عَلَيْهِ تَحْلِيفَ الشَّاهِدَيْنِ إِذَا تَطَرَّقَتْ إِلَيْهِمَا الرِّيبَةُ وَلَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ. وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ إِذْ قَدْ شَرَطَ اللَّهُ فِيهِمَا الْعَدَالَةَ وَهِيَ تُنَافِي الرِّيبَةَ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ:
هَذَا إِذَا تَعَذَّرَتِ الْعَدَالَةُ أَوْ ضَعُفَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَوَقَعَ الِاضْطِرَارُ إِلَى اسْتِشْهَادِ غَيْرِ الْعُدُولِ كَمَا هِيَ حَالَةُ مُعْظَمِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ الْيَوْمَ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِتَحْلِيفِ الشَّاهِدِ الْمَسْتُورِ الْحَالِ وَجْهٌ فِي الْقَضَاءِ. وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
وَأَمَّا حُكْمُ تَغْلِيظِ الْيَمِينِ: فَقَدْ أُخِذَ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْيَمِينَ تَقَعُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ فِي نَظَرِ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَيَجِيءُ فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ أَنْ يَكُونَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَاللَّفْظِ. وَفِي جَمِيعِهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ وَقَدْ بَيَّنْتُ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ وَبِاللَّفْظِ فَتَفْصِيلُهُ فِي كتب الْخلاف.
[١٠٩، ١١٠]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : الْآيَات ١٠٩ إِلَى ١١٠]
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قالُوا لَا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩) إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute