للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ عِنْدِهِ مُنَاسِبٌ لِحِكْمَتِهِ، فَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى دَلَائِلِ الْيَقِينِ وَالْحَقِيقَةِ، فَفِي ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ إِعْجَازَهُ، مِنْ جَانِبِ بَلَاغَتِهِ إِذْ غَلَبَتْ بَلَاغَةُ بُلَغَائِهِمْ، وَمِنْ جَانِبِ مَعَانِيهِ إِذْ أَعْجَزَتْ حِكْمَتُهُ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَثِيلُ هَذَا فِي طَالِعَةِ سُورَةِ الزُّمَرِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي طَالِعَةِ سُورَة غَافِر.

[٣- ٥]

[سُورَة الجاثية (٤٥) : الْآيَات ٣ إِلَى ٥]

إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥)

مَوْقِعُ هَذَا الْكَلَامِ مَوْقِعُ تَفْصِيلِ الْمُجْمَلِ لِمَا جَمَعَتْهُ جُمْلَةُ تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الجاثية: ٢] بِاعْتِبَارِ أَنَّ آيَاتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا إِنَّمَا كَانَتْ آيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُوقِنِينَ، وَلِلَّذِينِ حَصَلَ لَهُمُ الْعِلْمُ بِسَبَبِ مَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ الْقُرْآنُ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ [الجاثية: ٦] .

وَأُكِّدَ بِ إِنَّ وَإِنْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ غَيْرَ مُنْكِرِيهِ لِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ لِذَلِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِمَا فِي هَذِهِ الْكَائِنَاتِ مِنْ دِلَالَةٍ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ [٩] .

وَالْخِطَابُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَلِذَلِكَ قَالَ: لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ: آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ دُونَ أَنْ يُقَالَ: لَآيَاتٍ لَكُمْ أَوْ آيَاتٌ لَكُمْ، أَيْ هِيَ آيَاتٌ لِمَنْ يَعْلَمُونَ دَلَالَتَهَا مِنَ

الْمُؤْمِنِينَ وَمِنَ الَّذِينَ يُوقِنُونَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ لَا أَثَرَ لَهَا فِي نُفُوسِ مَنْ هُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْآيَاتِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّ ذَاتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعِدَادَ صِفَاتِهَا دَلَائِلُ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ فَجُعِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بِمَنْزِلَةِ الظَّرْفِ لِمَا أُودِعَتْهُ